أعلم ان هناك الكثيرين من المستائين من مقالاتي الاخيرة، والخاصة بالانتماء والولاء الوطني، دوافعه وحقيقته. فأنا هنا لم ادفن رأسي في الرمل، ولم اتجاهل الحقيقة او ازخرف الواقع. والواقع اننا شعب بدائي، لم تتح له بعد وبشكل كامل فرصة تطوير وعي او شعور وطني. فأغلبنا او كلنا هنا لا يزال اسير انتمائه القبلي او الطائفي او العرقي. والكل معني بنهب الدولة ومص الضرع.. اللهم الا من رحم ربي. وهؤلاء هم القلة القليلة.
ليس وضعنا او وعينا الاجتماعي هو المسؤول وحده عن غياب او تغييب شعورنا الوطني او شعورنا «الجمعي» كمواطني دولة الكويت. بل الواقع يؤكد ان اغلب، او ان صاحب اكثر مساهمة في هذا التغييب هو «السلطة». فقوى النظام الاساسية ومراكز القوى فيه ساهمت بعنف وبمثابرة طوال عقود وسنوات طويلة مضت، ساهمت في تهميش النظام وفي تغييب الدولة وفي ترك المواطن فريسة او اسيرا لمؤسساته الاجتماعية البدائية، كالاسرة والقبيلة والطائفة، كي تحميه وتوفر له حقوقه دون «الآخرين»، الذين هم صنف مختلف وغير.. وليسوا موطنين «تيز تيز» كما قال بورسلي.
السلطة هي التي واصلت الانتقاص من النظام، وتعطيل قوة القرارات والقوانين. وهي التي تولت هدم مؤسسات الدولة وتصغير شأنها. بحيث ان المواطن اضطر الى التقوقع واللجوء الى المؤسسات التقليدية القديمة لحمايته والذود عنه.
الشعور الوطني، ان كان هناك مثل هذا الشعور، يتولد من خلال الاحساس بالطمأنينة والثقة الجماعية بالوضع القائم، بحيث يتفق «الجميع» على الحفاظ عليه وعلى تثبيته وحمايته. فهل الكويتيون الحاليون لديهم ثقة في الوضع الحالي؟ وهل كل الكويتيين، او على الاقل اغلبهم، مرتاح من الوضع الحالي ولديه استعداد لتثبيته والدفاع عنه؟
أشك في ذلك كثيرا، فالكل لديه شعور بالظلم، والكل لديه شعور محق فيه بأن الآخرين يتحصلون على ما لا يحق لهم، ويتهربون من دفع ما عليهم دون رادع او ضبط وربط. بينما «السلطات» عملت ولا تزال تعمل على الانتقاص من مؤسسات الدولة، وهدم بنى المجتمع العصري، مقابل تعزيز البنى والقيم التراثية وحتى الدخيلة على المجتمع.