كيفما فكرنا في الوضع الراهن في الكويت، فهو بالتأكيد لن يبقى على هذه الصورة التي عرفناها على مدى زمن طويل. ومن الواضح أن الصورة ازدادت تراجعاً في الأعوام القليلة الماضية أولاً بفضل الصدام الدائم بين المجلس والحكومة، وبسبب غياب التصورات الحكومية القادرة على الدفع بأجندتها الوطنية في المجلس والإطار الوطني العام. ورغم التوقع بأن الوضع قد يزداد سوءاً قبل أن يتحسن، إلا أن بوادر التطور الإيجابي وقعت من خلال إقرار القوانين الجديدة ومن خلال مقدرة الوزيرة الصبيح على مواجهة الاستجواب بوضوح وجرأة. ومع ذلك تعيش الكويت بين أكثر من احتمال وسيناريو.
السيناريو الأول: أن يستمر التدهور وتزداد الدولة فقداناً للقدرة على التأثير، بينما تزداد الفوضى السياسية في البلاد. في هذا المجال ستكون حالة من الشلل والتأخر هي المسيطرة على البلاد. في أجواء كهذه يسيطر الضعف على المؤسسات، وتتأخر الإصلاحات وتتزايد المشكلات، وسط غضب لا حدود له في الشارع السياسي وفي مجلس الأمة. في ظل هذا السيناريو تستمر البلاد في الاختلاف على أبسط القضايا وأقلها أهمية، وتستمر حالة الصراع بين القوى المختلفة وسط الاتهامات المتبادلة. في أجواء كهذه يتضاعف التسيب الحكومي وتزداد المشكلة الاقتصادية لدى صغار الموظفين ولدى الخريجين الباحثين عن العمل. خطورة هذا السيناريو أنه يدمر البلاد على مراحل. في هذا السيناريو تتأخر الكويت ويزداد الوضع توتراً وتفشل البلاد في المجالات كافة. ولكن تفادي هذا السيناريو ممكن، ولكنه يتطلب وعياً خاصاً على الصعيد العام والحكومي والسياسي.
السيناريو الثاني: أن يعي مجلس الأمة مسؤولياته الوطنية الأوسع، وأن تعي الحكومة قبل كل شيء مسؤولياتها الوطنية. في هذا السيناريو تسعى الحكومة إلى تقديم مبادرات، وللبدء بنقاش حقيقي مع أعضاء وكتل مجلس الأمة باتجاه اتفاقات عامة تكون أساس الإصلاح. فبطبيعة الحال ان حكومة إصلاحية بإمكانها أن تقنع فئات عدة من أعضاء المجلس بإمكاناتها الإصلاحية فتحقق لها هدنة حقيقية في السجال الراهن. في ظل هذا الوضع بإمكان الكويت أن تحقق الكثير من التقدم في فترات قياسية. ويمكن القول إن ما وقع منذ أيام من إقرار لعدد من القوانين الجديدة فيه ما يؤشر على إمكانية نجاح هذا السيناريو في ظل مجلس الأمة الراهن وفي ظل الحكومة الراهنة. ان تطوراً إيجابياً بإمكانه أن يصعد بسرعة صعود البورصة والتطور السلبي بإمكانه أن يهبط بسرعة هبوطها. فبعض القرارات وبعض الجرأة الحكومية في ظل التضامن الحكومي بإمكانها أن تغير الوضع. ومن الواضح أنه أمام الحكومة قضايا كبيرة في مجال الخصخصة وفي مجال ترجمة ذلك إلى قرارات إدارية حقيقية، في الوقت نفسه أمام الحكومة قرارات كبيرة في مجال الدفع باتجاه تخفيف أعداد الموظفين العاملين في القطاع العام لصالح القطاع الخاص. وأمامه في الوقت نفسه تحد كبير الآن، وهو تحولها إلى رب العمل الأكبر في الكويت بما يتطلب منها القيام بتقديم زيادات محددة للموظفين في القطاعات الحكومية المختلفة.
السيناريو الثالث: أن يقع حل دستوري لمجلس الأمة الراهن مع انتخابات جديدة وفق الدوائر الخمس. هذا السيناريو ممكن في حال وقعت حالة إعادة ترتيب للوضع الحكومي وفي ظل استعداد حكومي للتعامل مع المجلس الجديد على أرضية جديدة. هذا السيناريو يفترض إمساكاً مباشراً بالحركة السياسية في الكويت من قبل جهاز تنفيذي يتميز بالقوة والاندفاع نحو الإصلاح، كما يتميز في الوقت نفسه بالمقدرة على إقناع النواب وأخذ تأييد أوسع من قطاعات أساسية بينهم. في هذا السيناريو تشهد الكويت نشوء سلطة تنفيذية قوية وحالة صنع قرار فيه زخم باتجاه رؤية واضحة نحو المستقبل.
المستقبل
بين هذه الاحتمالات الثلاث ستسير الكويت، ولا يبدو أن البلاد جاهزة في هذه المرحلة إلى سلطة شعبية حقيقية، أو لسلطة أحزاب فائزة بالانتخابات تقوم بتشكيل الحكومة. إن التجربة العربية المحيطة بنا تؤكد على أن السيناريو الكويتي محكوم بسقف. فحتى الآن لا توجد تجربة ديموقراطية ناجحة واحدة في البلاد العربية. السقف الكويتي يحتوي على حريات واسعة في التعبير وعلى دستور متقدم ودور كبير لمجلس الأمة. ولكن التجربة الكويتية ينقصها حتى الآن واحدة من أساسيات الحياة السياسية الناجحة: حكومة قوية تصنع القرار وتتمسك بسياساتها وتخلق الإجماع على هذه السياسات. فالنجاح في الإمارات، وخصوصاً دبي، وراءه حكومة قوية، والنجاح في قطر وراءه أيضاً حكومة قوية، وحركة التغيير والإصلاح في السعودية وراءها هي الأخرى حكومة قوية، وكذلك نجد الوضع نفسه في الاردن. وعندما نقول حكومة قوية لا نقصد ديكتاتورية أو متسلطة. فهذا النوع من الحكومات يؤدي الى التفكك والضعف على المدى البعيد.
إن الكويت مضطرة إلى حسم موقفها وصولاً إلى حالة جديدة. فللسلطة التنفيذية صلاحيات كثيرة بإمكانها استخدامها، تماماً كما للمجلس صلاحيات كثيرة نجده يستخدمها أحياناً بطرق بناءة وأحياناً أخرى، كما وقع مع استجواب الوزيرة الصبيح، بطرق تنقصها الدراسة والموضوعية والضرورة. في المرحلة الأخيرة تمت تعبئة الفراغ الحكومي من قبل مجلس الأمة. ولكن يصعب أن تملأ سلطة تشريعية فراغ سلطة تنفيذية. لهذا بالتحديد على الحكومة القيام بدورها التنفيدي. وهذا لا يمكن أن يتم بلا انتزاعه انتراعاً كحق من حقوق السلطة التنفيذية وحق من حقوق بناء الدولة. إن التنفيذ وممارسة الصلاحيات لا يتنافى مع الديموقراطية. بل إن الديموقراطية في جوهرها ضد الفوضى والتسيب، وهي ضد اعتداء سلطة على الأخرى، وضد فرض السلطة التشريعية لتصورات على المجتمع هي في الجوهر منافية للحريات ومنافية للدستور. إن السيناريو الأول هو الأكثر خطورة على البلاد، ولكن مستقبل البلاد بإمكانه أن يتأرجح بين السيناريوين الثاني والثالث.