ليس من السهولة بمكان أن نتوقع كيف سيكون مصير المنطقة هذا العام، ذلك أن المقدمات لهذا العام لا تبشر بالوضوح، كما أنها تساهم بمزيد من التوتر وليس العكس. هذا العام هو عام للتصادم بين المشاريع وبين التوجهات في كل دولة عربية وبين الدول العربية نفسها، وهو عام التصادم بين المشروع الأميركي والمشاريع الرافضة له. إن ما هو قائم اليوم يميل إلى الارتفاع في حدة التصادم بين الأقطاب والأطراف. فكل طرف يتواجه مع الآخر، وكل فئة تقاتل الأخرى، وكل جماعة تقف في المرصاد للجماعة الأخرى. إن ما يقع مرض عربي وإسلامي عارم يحيط بنا من باكستان وإيران، حتى بيروت والعراق وغزة والصومال والسودان.
منذ أيام، على سبيل المثال، كانت المبادرة العربية التي يقودها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في قمتها، وكنت أقرأ من صحيفة عربية تشير إلى حالة التفاؤل، وأن الحل قد وقع، وأن الاتفاق قد تم بموافقة سورية في لقاء لوزراء الخارجية العرب على انتخاب رئيس الجمهورية، فنظر إلي صديق من لبنان كان يحضر معي أحد المؤتمرات قائلاً: «لا يوجد حل، الوضع أكثر تشابكاً، سيقوم أحدهم بتخريب مبادرة عمرو موسى غداً». وهذا ما وقع في اليوم التالي: انتهت المبادرة بالضربة القاضية، وعاد لبنان إلى نقطة البحث عن مخرج وسط التصعيد.
كيف يمكن لنا أن نتوقع مصير المنطقة، بينما يقع ما يقع في غزة من حصار، وكيف يمكن أن نتوقع مصير المنطقة، وما يقع في بيروت يبشر بمزيد من التدهور السياسي، بينما في سورية تبقى قضية المحكمة وعلاقتها باغتيال رئيس الوزراء الحريري وأثر ذلك كله على الاغتيالات في لبنان وكيفية إيجاد مخرج، وفي إيران يبقى الموضوع النووي على رأس الصراع الدولي الذي يدخل الآن مرحلة العقوبات الفعلية. هكذا نعيش في منطقة تختزلها الاختلافات الإقليمية والدولية، ورفض كل فريق لدور الطرف الآخر على أساس تناقض الرؤية والنظام السياسي والأهداف والمصالح.
إن هذا الوضع يفرض مناخاً يميل للحلول العسكرية، وذلك عندما تفشل الحلول السياسية في تحقيق المخارج الممكنة. فهل تخرج الأمور عن السيطرة بين الولايات المتحدة من جهة وإيران؟ وهل يؤدي ذلك إلى تدخل «حزب الله» في الجنوب و«حماس» في غزة، فيتحول الوضع إلى مواجهة أوسع تدخل فيها إسرائيل؟ وهل تتحول المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله» الى مواجهة مع سورية، رغم الإشارات الإسرائيلية كلها عن تسوية مع سورية أو مخاوف من مجيئ ما هو أخطر في سورية في حالة خلخلة نظام الحكم هناك؟ ثم نتساءل كيف سينعكس هذا على العالم العربي، وعلى العراق بالتحديد؟
إن السيناريو الأخطر في المنطقة سيناريو وقوع حرب أميركية ـ إيرانية. فهذا السيناريو إن وقع سوف يؤدي إلى حال من التفجير تمتد من العراق إلى جنوب لبنان ومن غزة إلى الشارع العربي. فإيران تمثل قوة كبيرة في المنطقة تمددت في المرحلة الأخيرة، ولديها أصدقاء ونفوذ وقدرة على التأثير. والأخطر في آفاق الضربة الأميركية أنها قد تثير من ردود الفعل ما يجعل الوضع الراهن أفضل الخيارات. فالضربة الأميركية قد لا تحقق أهدافها في ما يتعلق بالأسلحة الإيرانية، وعلى الغالب لن تحقق أهدافها في ما يتعلق بخلخلة النظام في إيران، وعلى الغالب فضرب إيران سوف يضاعف من حال الإرهاب في المنطقة وردود الفعل. ولكن من جهة أخرى يرى بعض المحللين أن الضربة العسكرية قد تحقق بعض أهدافها وتتحول إلى حرب 1967 جديدة لإيران، كما كان الأمر للعرب في زمن عبدالناصر. من جهة أخرى يمكن القول إن إيران الإسلامية ليست مصر القومية، وهناك فارق كبير في درجة الاستعداد والمرحلة وطبيعة الأسلحة.
سيبقى الصراع بين الممكن والمستحيل والمتوقع كبيراً في هذا العام، وسيؤثر هذا على القرارات الدولية والأميركية والإيرانية والسورية والفلسطينية واللبنانية. وسوف يبقى السعي الإيراني في الجوهر محاولة دائمة لرفع الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة في حال إقدامها على عمل عسكري، أما السعي الأميركي فسيبقى في إطار ترجيح ما يعتقد أنه المخرج للوضع القائم: حل عسكري أو حل ديبلوماسي أو خليط من هذا وذاك. هذا العام هو عام الغموض.