اضطرت الحكومة المؤقتة، أثناء فترة الاحتلال الصدامي للكويت، التي دامت 7 أشهر، للقبول بفكرة تأسيس لجان تطوعية أهلية لمساعدتها في الاهتمام برفاهية الكويتيين الذين اضطرتهم الظروف لمغادرة الكويت واللجوء إلى الدول المجاورة، إضافة إلى أولئك الذين وجدوا أنفسهم، ساعة وقوع الغزو، خارج الكويت، دون سند أو مال.
ساقتني الظروف وقتها للعاصمة السعودية، الرياض، حيث تجمع فيها خلال الأسابيع الأولى من الاحتلال عدد كبير من الكويتيين. كم قادتني الصدفة للالتقاء بالصديق السفير أحمد الفهد وكان يعمل حينها مديراً لمكتب وزير الخارجية، ليطلب مساعدتي، لخبرتي التجارية، في توفير سكن لبضع مئات من الكويتيين. ولكن قبل أن نباشر في أي عمل، ومع استمرار بطش صدام، ارتفع عدد هؤلاء اللاجئين ليبلغ عشرات الآلاف، وهذا تطلب عملاً أكثر دقة لضمان وصول المساعدات المالية الشهرية لكل هؤلاء بطريقة سلسة وعادلة.
كان لا بد من هذه المقدمة لأصل إلى النتيجة. بعد شهرين أو ثلاثة من تلك المهمة، اضطرتني الظروف إلى ترك اللجنة بأيد أمينة والسفر إلى دبي لمتابعة أعمالي هناك. وقمت بتسليم سفيرنا في الرياض عبدالرحمن البكر ملفاً تضمن الأسماء والبيانات الكاملة لأكثر من 36 ألف «مواطن كويتي» (وهذا الوصف سيتكرر لاحقاً) أدلوا ببيانات كاذبة وقبضوا عمداً أضعاف ما يستحقون من مساعدات. وقلت له إن هؤلاء هم سرّاق الوطن الصغار، الذين إن سكتت عنهم الدولة الآن، فسيشجعهم ذلك على سرقات أكبر مستقبلاً، وهذا ما حدث تالياً!
طلب مني السفير «الستر» على ما لديّ، وأحتفظ بالملف، وطلب مني القسم بألا أطبع غيره، فرفضت القسم طبعاً، مع وعد بتلبية طلبه.
وورد في الصحف قبل بضعة أيام أن مدير هيئة القوى العاملة بالإنابة عبدالله المطوطح أوقف صرف دعم العمالة عن 11 ألف «مواطن كويتي» بسبب الغش في إفاداتهم، وعدم استحقاقهم للدعم الشهري، الذي يبلغ متوسطه نحو ألفي دولار!
وقبله، صرّح مدير هيئة الإعاقة عن وجود آلاف من «المواطنين الكويتيين» من مدعي الإعاقة الذين سرقوا من الدولة مئات آلاف الدنانير على مدى سنوات بشهادات إعاقة مزوّرة صادرة عن أطباء معروفين، وبعضهم محسوب على حزب الإخوان!
كما سبق أن صرّح كل وزير شؤون تقريباً، منذ 30 عاماً وحتى اليوم، عن وجود مئات «المواطنين الكويتيين» المتاجرين بالبشر، من الذين جلبوا مئات آلاف العمال، من خلال شركات وهمية، وتركوهم في الشوارع لمصيرهم.
وقائمة سرقة الدولة، أو التحايل «الجماعي» عليها، طويلة، وتشمل عشرات آلاف الموظفين، وأغلبيتهم لا تفوتهم صلاة، ومع هذا لا يؤدون تقريباً أي عمل. وهناك عشرات مجالس إدارات جمعيات تعاونية لم تتأخر يوماً في ترتيب رحلات عمرة لمساهميها، لتقوم بسرقة جمعياتهم في اليوم التالي!
حدث ويحدث الكثير من ذلك، والجرعة الدينية بازدياد، والسؤال لماذا لا نجرّب التخفيف منها، والتركيز على تدريس الأخلاق؟