المؤشرات كلها تؤكد بإمكان توسع نطاق الحرائق في لبنان، فتصريح وزير الخارجية الكويتي بأن الوضع في لبنان خطير خطير لم يأت من فراغ. كما أن تحرك المعارضة (وهي مسلحة) والاشتباك مع الجيش يثقل الوضع اللبناني ويزيد على حالة الضغط التي يعاني منها. فالمواجهات العسكرية يمكن أن تندلع بين الأطراف اللبنانية بسرعة، والمتاريس يمكن أن تشيد، والخنادق يمكن حفرها. وكما تؤكد لنا تجارب الصراعات الأهلية فهي تبدأ من دون أن يعي أحد بأنها قد بدأت، ومن دون أن يعرف قادتها أنهم قادوا الناس إليها بارتكابهم سلسلة من الأخطاء. لقد تحول لبنان من النصر العسكري والسياسي في مواجهة إسرائيل في شهر يوليو 2006 إلى معركة داخلية أجهضت المواجهة والنصر، كما تحول من الحزن الشعبي العام على اغتيال الحريري إلى حالة من التشفي السلبي بين الفرقاء مع كل اغتيال، وكأن الاغتيال ليس موجهاً لكل لبنان!
إن انفجار لبنان إن وقع سيكون بداية تدمير اللبنانيين. فما يقع الآن يشير إلى أن لبنان لم يتعلم ما يجب أن يتعلمه من دروس الحرب الأهلية المدمرة. هناك شيء ما في الثقافة السياسية اللبنانية تجعل كل طرف يعارض موقف الطرف الآخر مهما كان مفيداً له، وهناك في لبنان ما يجعل الأطراف تختلف في إطار مرجعيات إقليمية ودولية، وكأن لبنان لا يعنيها. هكذا تبرز إلى السطح مقولة: هل للبنان مقومات الاستقلال والدولة؟ فإن كان يمتلك هذه المقومات فكيف نبرر تلك المقدرة الخارجية على إدارة الصراعات اللبنانية اللبنانية في هذه السهولة؟ أليس هذا الأساس الذي أدى إلى الحرب الأهلية، وصولاً إلى شعور إسرائيل أنها هي الأخرى يجب أن يكون لديها ميليشيا ودور سياسي في لبنان؟
نتساءل: لماذا لا يكون لبنان مثل الأردن أو مثل الكويت أو مثل دول عربية عدة صغيرة في الحجم ومحاطة بقوى عربية ودولية وإقليمية تفوقها قوة؟ هذا السؤال يجب أن يكون مطروحاً على طاولة «حزب الله» والعماد ميشال عون وفريق 14 مارس وجميع اللبنانيين من الاتجاهات كلها. فمن غير المنطقي أن يكون لبنان عروبياً فيدمر، أو يكون سورياً فيؤكل، أو يكون إيرانياً فيسقط إلى ما لا نهاية وينتهي الأمر بهجرة كفاءاته وشبابه، ومن غير الممكن أن يكون لبنان عوناً لقضايا العرب القومية، أو للدول المحيطة به إن لم يكن في الأساس عونا لنفسه وذاته.
اللبنانيون ذاقوا مرارة الحرب الأهلية والدمار الذي رافقها. ولكن الحرب إن بدأت لن تكون نزهة قصيرة. الصراعات والأزمات والحروب تأخذ هي الأخرى دورة طويلة قبل أن تصل إلى نهاية واضحة، بمعنى آخر إن انزلق اللبنانيون إلى أتون مواجهة الشارع والقتال ستكون النتيجة تخلي أكبر عن لبنان لفترة طويلة مقبلة. كما على اللبنانيين أن يعلموا بأن ظروف إعادة بناء لبنان التي وقعت في التسعينات لن تتكرر، فما سيدمر هذه المرة لن يعاد بناؤه بتلك السهولة وذلك اليسر، إضافة إلى أن فرص بروز شخصية جامعة كالرئيس رفيق الحريري لن تكون هي الأخرى متوافرة.
لقد علمتنا السياسة في العالم العربي أن الأحزاب المحلية أكانت قومية أو إسلامية أو ليبرالية في الجوهر وطنية ومن الصعب أن تدمر بلادها. لهذا فـ «حزب الله» من دون الأطراف كلها مدعو إلى مراعاة معادلة الوطنية والإسلام، تماماً كما أن جميع الاطراف الأخرى مدعوة إلى ممارسة نمط قاس وصعب من ضبط النفس وضبط مشاعر الجمهور المؤيد للمواجهة ومراعاة المعادلة الوطنية ذاتها.
إن انفجار لبنان سوف يصيب المنطقة بجروح دائمة، فهو سينهي مرحلة الأمان والأمن للدول الصغرى في منطقتنا. ولكن انفجار لبنان سوف يضعف إيران وسورية من جانب آخر، إذ ليس من مصلحة سورية انفجار لبنان ودخول العرب بصراع معها، وليس من مصلحة إيران تشجيع «حزب الله» أو قطاعات منه، مما يؤدي إلى اشتعال الفتيل اللبناني، لأن ذلك سوف يعني مزيداً من النزاعات المذهبية، كما هو حاصل في العراق. إن ما يبدو أنه مقدرة على التحكم لن يكون هكذا في مرحلة أخرى، لهذا فإن هذا الفتيل إن اشتعل سيمس الأمن القومي لإيران وسورية، كما سيمس الأمن القومي لدول عربية أخرى، إضافة إلى أنه سيكون مدمراً لأمن اللبنانيين كلهم على اختلاف طوائفهم.