عندما تتوتر أعصاب أحدنا، يتناول عصير الليمون، فتهدأ أعصابه تدريجياً. لكن المشكلة عندما تتوتر أعصاب كف أحدنا، ليصفع خد أحدهم، فلا ليمون ينفع حينذاك، ولا فراولة.
وأكثر ما يستفز الكف، ويوترها، ويُفقدها أعصابها، ويحفزها للانطلاق للقيام بواجباتها، هو النقاش مع “القارئ الجاهل”، الذي لا يقرأ إلا في اتجاه واحد، ولا يبحث في الكتب إلا عما يؤيد أفكار أبيه وجده، فتراه يغرق تحت كومة من الكتب القديمة التي لا يختلف بعضها عن بعض إلا في جزئيات لا تكاد ترى بالعين المجردة، ويربط كل تفصيلة في الحياة بالدين.
تحدثه، على سبيل المثال، عن نتائج أبحاث طبية، استغرقت نحو سبع سنوات، صُرف عليها الملايين، وقام بها عظماء الطب في العالم، وجُربت على مئات المرضى، وأثبتت نجاعتها وفاعليتها، فينثر في حضنك كل ما قرأه في الكتب المهترئة فكرياً: “حبة البركة المخلوطة ببول البعير وزيت الذرة تكفي عن كل هذه الأبحاث والملايين والمختبرات والنتائج. لكن لأن هؤلاء الباحثين يريدون تشويه صورة الإسلام، وإثبات عدم فاعلية هذا الدواء الرباني، قاموا بإجراء تجاربهم ودراساتهم وهلاوسهم، بتخطيط من اليهود وتدبير من النصارى”.
ويسقط حنكك إلى الأسفل، وقبل أن ترفعه بيدك، يكمل صاحبنا “القارئ الجاهل”، مستعرضاً “ثقافته” ومحتويات وعائه: اقرأ في كتاب كذا للكاتب فلان عن فوائد زيت الذرة وحبة البركة، واقرأ في سيرة فلان عن نتيجة شربه بول البعير، ووو… فتحدثه عن التطور والعلوم الحديثة، فيشكك في عقيدتك.
ولا تدري كيف تشرح له أن الغربيين، عندما استيقظوا صباح اليوم، وذهبوا إلى معاملهم ومختبراتهم، لم نكن نحن ما يشغلهم، ولم يفكروا في إقناعنا نحن بفاعلية اختراعاتهم، ولا بجدواها، بل كانوا يفكرون في إقناع شعوبهم، أولاً، ثم بقية شعوب العالم، التي لم تعتبر ذلك هجوماً من العقيدة الكاثوليكية، أو حتى البروتستانتية، ضد معتقداتهم.
وفي نهاية النقاش، تلتفت إلى كفك، وتهدئ أعصابها، وتتمتم: “معك حق”.