يعتبر الفساد، بشكل عام، عاملا مهما في خلق التضخم، وزيادة الاسعار. فعندما يضطر التاجر أو المستورد الى دفع رسوم غير مبررة على خدمة ما، فإن ذلك يتسبب مباشرة في رفع سعر تلك الخدمة أو المادة. وعندما يضطر مالك عمارة الى دفع رشى للحصول على موافقات البلدية والإطفاء، والشيء نفسه لإيصال التيار الكهربائي، فإنه سيحملها على الإيجار في نهاية الأمر.
يقول رجل أعمال كبير، يعمل في التجارة منذ الخمسينات إنه، ومنذ سبعين عاماً تقريبا، لم يشاهد مثل هذا الفساد، وهذا التسيب الإداري غير المقبول. فهو يقوم، كغيره، باستيراد حمولات سفن كاملة من مواد البناء، كالحديد. ولاحظ في الفترة الأخيرة أن هناك شبه تواطؤ بين الحكومة، أو من يمثلها في الجمارك والموانئ، وبين شركات المناولة، على فرض رسوم غير مبررة على المواد المستوردة. ويقول انه وغيره يقومون عادة بإضافة تلك الأجور، المستمرة في تصاعدها، على تكلفة البضاعة، ليدفعها المستهلك في النهاية. ولكن استمرار ارتفاعها سنة بعد أخرى أقلقه كثيرا، فإضافة إلى أن نسبة كبيرة منها تذهب الى جيوب من لا يستحقونها، من متنفذين فاسدين، فإن تحصيلها غير مبرر أصلا. وعلى الجهات الرقابية في الحكومة مراجعتها، للتقليل من التضخم العام في الدولة الآخذ في الازدياد. فهو يدفع أحيانا مبلغا يقارب عشرين الف دينار رسوم تفتيش، وهو مبلغ كبيرة لخدمة لا تؤدى غالبا، حتى وإن أديت فهي غير مبررة. فأسياخ الحديد تستورد على شكل ربطات ظاهرة، وغير مغطاة. وبسبب طبيعة الشحن بهذه الطريقة فمن الاستحالة تهريب شيء بينها. ولكن الجمارك تصر على الكشف عليها، وتحميل صاحبها مبلغا يدفع لشركة المناولة مقابل تحميل وتنزيل الربطات الثقيلة الوزن، ليتسنى لمفتش الجمارك الكشف عليها، وعملية الكشف هذه نادرا ما تتم، ولكن عدم اتمامها لا يعني اعفاء التاجر المستورد من دفع رسوم التفتيش عليها، وفي جميع الأحوال تفرض الرسوم، ليقوم هو بفرضها على المشتري.
ويستطرد صديقنا التاجر المستورد في القول ان الأمر ذاته ينسحب على مواد أخرى يقوم باستيرادها، حيث يدفع 20 دينارا أجور عمالة الكشف على «التريلة» الواحدة، التي غالبا ما تمر بمجرد النظر اليها، لاستحالة وجود مواد ممنوعة فيها، بسبب طبيعتها.
نضع هذه الأمور أمام مسؤولي الدولة، أو من تبقى منهم، للنظر في مدى قانونية مثل هذه الرسوم، ووقف فرضها أو تصاعدها غير المبرر.