لست مستغربا هذا الشحن الطائفي، الذي استفحل بعد اكتشاف الاسلحة «المهولة»، التي خزنها بعض المواطنين الشيعة. وليست شيئا جديدا هذه الاقصائية والعنجهية ايضا في التعامل مع الآخر، ممن قد يتم الاختلاف معه عرقا او مذهبا او حتى فكرا عابرا. فقد تمت تغذية هذا الشحن اجتماعيا بالدرجة الاولى، وسياسيا بالدرجة الثانية على مر السنوات السابقة. ولم تألُ السلطات والقوى المتنفذة المتتالية عن استخدام هذا الشحن واستثماره لمصلحة التفرد بالسلطة او حجبها عن القوى الاجتماعية المتطورة، او بتوصيف اكثر دقة، تلك التي تنشد التطور. فنحن وبمرارة شديدة ليس لدينا قوى متطورة او تقدمية او حتى سياسية كما الادعاء.
ليس لدينا الا مجاميع متخلفة وبدائية، يتمتع بعضها بدرجة نسبية من التحرر، او بالاحرى الاغتراب عن موروثه وعقائده البالية. لهذا لم يكن مستغربا ان يتصاعد الشحن الطائفي والسياسي في السنوات الاخيرة. خصوصا بعد استمرار افول الحس الوطني، وتنامي الانتماءات الدينية والقبلية وغياب الوصاية السلطوية عن مجاميع التخلف القبلي والطائفي. لقد نشطت السلطات السابقة في دعم وتغذية التعصب والانغلاق بشتى صوره، عائليا وقبليا، وبشكل واسع مذهبيا. وسخرت مؤسساتها وحتى قوانينها ونظمها لتعزيز هذا التعصب وحمايته. والمؤسف انه حتى الآن ليست هناك محاولات جدية وناجحة و«سريعة»، وهذا هو المهم لكبح هذه الامراض والحد منها. فمؤسسات الدولة تقف عاجزة ـــ ولا احد يلومها ـــ في وجه هذه الاوبئة المترسخة والمتغلغلة في كل نظم وعلاقات ومؤسسات البلد. لدرجة انه حتى الاسهامات الفذة او غير العادية، كتعامل حضرة صاحب السمو وحكومته مع احداث مسجد الامام الصادق، نجدها تنكفي وينطفئ تأثيرها في مواجهة عنف التعصب والكراهية المتمكنة من نفوس وعقول الكثيرين.
لست مستغربا كل هذا الشحن، لكني استغرب ان يكون محركه ومصدره بشكل عام هو المجاميع السياسية، التي كانت تقود الوضع السياسي، وترفع شعارات الحرية والعدالة، وتستعد لتشكيل الحكومة الشعبية المنتخبة. فكما هو واضح يقود هذا الشحن نواب وأئمة، وبكل اسف تشاركهم بعض المجاميع الشبابية، التي كانت تتولى الترويج لما سمي بالحراك الشعبي والتغيير الديموقراطي المزعوم لنظام الحكم. المجاميع التي ادعت بالامس القريب، وهي لا تزال تدعي اليوم تبنيها لـ«النضال» الديموقراطي، وتصديها لتعسف وظلم السلطة المزعوم. هذه المجاميع التي بالامس تظاهرت واستجوبت وطالبت بـ«تسكير بوز الآخر»، وحرمان هذا الغير او الآخر من حقوقه القانونية والدستورية، هي التي تطالب اليوم بنصب المشانق وشق الجناسي وصلب خلق الله. ولو اقتصر الامر على هذه العنجهية في التعامل مع «المتهمين» لهان الامر. فهم على الاقل متهمون، ولكن الامر مع الاسف يتعدى كل ذلك، ليصل الى المشتبه فيهم، وبالتالي الى كل الابرياء ممن يختلف معهم مذهبيا «قادة حراكنا» الشعبي.
ايضا ليس مستغربا كل هذا. فأنا شخصيا منذ الايام الاولى، منذ تجمع الاندلس والعقيلة، اتهمت ــ وكنت محقا وصادقا ــ جماعة الحراك بالتخلف والتعصب القبلي والديني. لكن المستغرب استمرار دعم بعض مدعي الوطنية والتقدمية لهذه المجاميع المتخلفة والمتعصبة، وصمتهم عن ادانة عنجهيتها، او على الاقل تصحيح مفاهيمها، او نفي اكاذيبها المغلوطة. مدعو الوطنية والتقدمية شاطرين في اصدار البيانات والتصريحات حول اي زوبعة تافهة تثار، خصوصا ضد السلطة، ولكنهم صامتون اليوم عن هذا التعدي وهذا الاسفاف وهذه المبالغة في العزل والتصغير اللذين تتعرض لهما مجموعة كبيرة من المواطنين. لا ذنب لهم على الاطلاق الا في اختلافهم مذهبيا او عرقيا عن «ابطال» النضال الانتخابي وطلاب الحكومة المنتخبة.