تؤكد التجارب أن التعليم المشترك والمختلط في التعليم الابتدائي حتى الثانوي مفيد كما أن التعليم غير المشترك وغير المختلط في المدارس هو الآخر مفيد. فهناك إيجابيات لكلا النظامين. ولكن غير المفيد على الإطلاق أن يصدر قانون في البلاد يمنع التعليم المشترك والمختلط لدواعٍ لا علاقة لها بالتعليم. فقرار الفصل بين الطالبات والطلاب في التعليم يجب أن يبقى قراراً خاصاً بيد الأهل الذين لهم الحق في تقرير الأنسب لأبنائهم ولبناتهم. أما أن تتدخل الدولة بقرار يقره مجلس الأمة(وهو ما يتم السعي إليه الآن) في فرض الفصل على المدارس الخاصة بعد أن صار لها عقود تمارس التدريس المختلط في الكويت، فهذا مدعاة إلى تدمير التعليم الخاص، وزيادة لتكاليفه. إن ما يقع هو تدخل في الحريات وحقوق الطلبة والأهالي في الاختيار. إن تجارب مدارس اميركية وانكليزية وثنائية اللغة في الكويت تؤكد نجاح التعليم المشترك المختلط، فلماذا تدميره الآن بقرارات عشوائية غير مدروسة وغير قائمة على أسس تربوية، بل قائمة على انحيازات اجتماعية ومواقف سياسية فكرية موجهة؟ لماذا تدمير هذه المدارس وتصغير تجاربها وفرض حالة، مفادها الخوف من تحدث الشاب إلى الشابة، عوضاً عن أن يكون السؤال الأساسي: ما هي العناصر التعليمية والتربوية المرجوة من عملية التدريس؟ فهل نقيّم بعقلانية مصلحة الطلبة أم أن التقييم مرتبط بالمصلحة الانتخابية والمنافسة بين التيارات والصراع بين إرادة الحكومة وإرادة النواب؟
إن فصل المدارس المختلطة الآن لا قيمة تربوية له. فمعظم طلاب وطالبات المدارس الأميركية وثنائية اللغة والإنكليزية يمثلون تجارب ناجحة في التعليم وفي نتائجه. كما أن الكثيرين من طلبة هذه المدارس حققوا نجاحات باهرة في الجامعات العالمية والأميركية. ففي هذه المدارس استثمار في رأس المال البشري، ومن الخطورة التلاعب بوضعها وتسييس قضاياها، كما حصل مع قضايا عدة في الكويت. لهذا ليس من حق سلطة تشريعية أن تقوض ممارسات تعليمية لها جذور عميقة في المجتمع وتمثل شريحة كاملة من المهنيين والمتعلمين. إن محاولات تمرير قرار في مجلس الأمة بفصل الطلاب عن الطالبات في التعليم الخاص محاولة لضرب فئة من المجتمع الكويتي وفئة من المجتمع الوافد لمجرد أن لديهم نظرة أخرى في تربية الفتيان والفتيات وطريقة بناء شخصيتهم. بل إن الكثيرين من الطلاب والطالبات في هذه المؤسسات التعليمية المشتركة يذهبون في الصيف إلى معسكرات مختلطة، ويشتركون في نواد رياضية مختلطة، ولا تمانع عائلاتهم الاختلاط ضمن قيم أخلاقية أساسها الشفافية والصدق والقيم التي تخص كل عائلة. كما أن الكويت ترسل أبناءها وبناتها بالمئات والآلاف سنوياً إلى جامعات مختلطة مشتركة في العالم كله. أن تكون النظرة التي يؤمن بها بعض الأعضاء هي النظرة التي يجب أن تطرح على جميع أبناء المجتمع فيها الكثير من الإجحاف، خصوصاً عندما تتناقض والحقوق الدستورية الجوهرية في مجال الحريات وحقوق الاختيار.
من جهة أخرى، إن موافقة أعضاء المجلس، خصوصاً الإسلاميين منهم، على مبدأ الاختلاط في التعليم لمن يريده لا يعني أنهم تخلوا عن مبادئهم المعارضة للاختلاط أو عن تفسيرهم الخاص للإسلام. فالإحجام عن فرض الشىء لا يعني القبول به أو القبول بممارسته. هذا ما يجب أن يتضح أمام قواعد النواب الذين يربطون إعادة انتخابهم من خلال تمرير قوانين تضر بفئات أخرى في المجتمع، وتبدو كأنها دفاع عن الاخلاق العامة. ولكن حقيقة الأمر أن أياً من هذه القرارات لن يقدم الأخلاق العامة قيد أنملة، فهذا أمر آخر لا يعالج بالفصل وبمنع الاختلاط في التعليم. إن القبول بالمبدأ للآخرين يجب أن ينطلق أساساً من القبول بحقوق الناس في الاختلاف في مجتمع متنوع، فمثلاً قبول الإسلاميين بكنائس في الكويت لا يعني أنهم أصبحوا مسيحيين، وموافقتهم على نواد مختلطة في الكويت في فنادق الخمس نجوم لا يعني أنهم يقتنعون بهذا. بل لو سار كل شيء وفق القناعة الخاصة والتفسير المطروح للإسلام في بعض الدول الإسلامية لدمرنا بعضنا البعض. في جميع المجتمعات وجود الشيئ لا يعني أن الجميع يقبله أو يتبناه. فوجود الشيء يرتبط كثيراً بالمصلحة العامة أو بفئة من الفئات، كما هو الأمر مع التعليم المشترك، ولهذا من مصلحة نواب الأمة تبني ما يعود على المصلحة العامة وما يعود على حضارية الكويت بالنفع.
إن معارضة تحويل التعليم الخاص إلى تعليم منفصل يجب أن تكون أحد تعبيرات المجتمع الكويتي الحريص على حقوقه في اختيار التعليم المناسب وفي تطوير الكويت وتطوير شخصية بناته وأبنائه. ولكن من جهة أخرى، من الطبيعي أن يتم فتح مدارس غير مختلطة وغير مشتركة لتكون مكاناً لمن يبحث عن تعليم عالمي، وفي الوقت نفسه غير مختلط. الحق في الاختيار جزء من الحقوق الأساسية وجزء من التنمية، ويجب عدم التفريط بما أنجز بالتعليم الخاص، بل يجب البناء عليه.