الله يرحم بريمان (بريمان هو النك نيم الذي كان يحمله جدي محمد الوشيحي، وهو النك ذاته الذي كنت أحمله، قبل أن أكتشف، عن طريق أستاذ المدرسة، أن اسمي الحقيقي محمد)، الله يرحمه، لم يكن لينتظر حملة المقاطعة، ولا لجان حماية المستهلك، ولا كان لينتظر نتيجة المداولة الأولى ولا الثانية. كان رجلاً على عجلة من أمره، لا يستشير إلا بندقيته والليل الحالك. كان يقرر وينفذ في اللحظة ذاتها. ولو كان يعيش بيننا الآن، ورأى الجميع يتجه لمقاطعة الأسماك، لتخفيض أسعارها، لاتجه فوراً ببندقيته إلى البرلمان، وتعامل مع بعض نوابه بالطريقة التي يجيدها، وتليق بهم.
على أن منظر مجلس الصوت الواحد في غاية الرومانسية وهو يضع يديه على خديه دهشة، ويفتح فمه على الآخر مُفاجَأً، كما تفعل الصبايا المترفات، بعد أن علم عن طريق الناس بأن أسعار الأسماك حلقت في شاهق، وتطاولت في البنيان، حتى أصبحت أغلى من الماركات، وصار التصوير بجانب سمكة زبيدي نوعاً من التباهي، كالتصوير بجانب حقيبة ديور أو مع ساعة غوتشي.
البرلمان الحالي يراقب الأحداث من “الوضع راقداً”، كما يقول العسكريون. وإن كان العسكريون، في الوضع راقداً، على أهبة الاستعداد والتذخير، فإن برلمانيي الصوت الواحد قد طابت لهم “الانسداحة” فأغمضوا أعينهم، وارتفع شخيرهم العذب، وتوسعت ابتساماتهم لجمال أحلامهم.
على أية حال، وبعد نجاح المقاطعة، من الرصاصة الأولى، سأجيب عن السؤال المتداول؛ لماذا نجحت مقاطعة الأسماك ولم تنجح مقاطعة انتخابات المجلس الحالي؟ وعلى افتراض صحة السؤال وأن مقاطعة الانتخابات فشلت، أقول: نجحت مقاطعة الأسماك لأن السلطة لم تحشد لصالح الأسماك ضد مصالح الناس وأموالهم، كما فعلت في الانتخابات، ولم تستخدم بطاقة الماستر كارد لإقناع المستهلكين، ولم تلعب بالكرت الطائفي (الجوكر)، ولم تخوّن المقاطعين، ولم تستخدم صحفها لتشويه وشيطنة المستهلكين، كذباً وزوراً…
لم تفعل كل هذا، ولا شيئاً من هذا، بل تركت الشعب يقرر وينفذ قراره، فكانت النتيجة ما ترون. نقطة.