أنا حزين لأن الجهل في وطني واسع، وعميق.
أنا حزين لأنه لا أحد يود أن ينصت لصوت العقل، ولا أدعي تمثيل ذلك الصوت.
انا حزين لأننا لا نود أن نقرأ ونتعلم ونفهم دروس التاريخ.
انا حزين لأن دروس التاريخ تقول إنه خلال الألفي سنة الأخيرة من عمر البشرية قتل الملايين بأسماء آلهة وأرباب، وكل يدعي وصلا بليلى، وليلى عن الوصال بعيدة!
أنا حزين لأننا نجحنا في أن نكون عنصريين وحزبيين وعقائديين وداعشيين وإخوانا وسلفا ومتعصبين ومنتمين لكل فريق أتى او ذلف، ولكننا فشلنا في كل شيء آخر، حتى في أن نكون بشرا متحابين ومواطنين منتمين.
أنا حزين لأن حكومتي أبعدتني وأمثالي، ولم أرد يوما أن اكون قريبا منها!
أنا حزين لأن أمثالي مكروهون منبوذون، لأنهم ليسوا مع هذا الفريق، ولا مع تلك الجهة، بل هم مع الوطن.
أنا حزين لأن مقاييس الكفاءة أصبحت تقاس بمساطر التدين ومعايير التعصب.
أنا حزين لأنني بنظر اهل وطني «غير منتم» ولا متحزب، وبالتالي نفعي قليل، من دون أن يهتموا أو يدركوا أن ضرري أقل، وفهمي أكثر ومحبتي أكبر.
أنا حزين، لأن فئة من وطني على استعداد لحرق نفسها وأهلها، وكل الوطن، لأن صوتا بداخلها يقول لها قاتلي واقتلي وانتحري وحطمي واحرقي، وافعلي كل هذا واكثر منه باسم الآلهة والأرباب، باسم الطائفة.
أنا حزين لأنني عاجز عن فعل شيء أمام كل هذا الجنون، وكل هذا التعصب الأعمى، وكل هذه الهمجية الطائفية، فالجميع تقريبا يتسابقون للوصول الى الجنة، من غيري.
ما معنى الوجود في عالمنا، وما قيمة الحياة، لو ذهب الوطن، حرقا في لهيب العنصرية والطائفية، وقتل الأهل بلهيب الحقد والكراهية والتطرف؟ لا شيء!
العقيدة تبقى معنا إلى الأبد، ولا أحد في الكون يستطيع أن ينتزعها منا، ولكن الوطن عزيز، ولا نساوي شيئا من غيره، واسألوا عشرات ملايين المشردين واللاجئين ما يعنيه الوطن، فكيف تستسهلون إهانة كراماتكم من غيره، وكيف تقبلون بإتلاف حضنكم الآمن؟
ألم يحن الوقت لأن نؤمن باننا جميعا متساوون، أمام العدالة والقانون، وليس أمام اي شيء آخر؟
ألم يحن الوقت لكي نتعلم أن الحقد والبغض والتطرف والغلو الديني، على مدى أكثر من الف عام أو يزيد بكثير، لم تؤد بمئات ملايين البشر الى غير الخراب والدمار؟ ومن نحن لنعتقد أن ما بداخلنا من حقد وبغض للآخر سيوردنا موارد النصر والفرح، وسينهي وجود من نكره؟ أو اننا على حق وغيرنا، ولو كانوا بالمليارات، على خطأ؟
لماذا نرفض، بكل غباء، ان نتعلم من دروس التاريخ، ومن تجارب أوروبا العظيمة، أن الخلاص لا يكمن إلا بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وأن نعيش في مجتمع يحترم كل فرد معتقد الآخر، ويتعايش معه بسلام؟
إن الشرير يقترف الشر، والطيب يفعل الخير. ولكن باسم الرب فقط، ينقلب الطيب، خلال ثوان، الى شرير. ألا نستطيع ان نبقى، من اجل وجودنا وسلامة وطننا، طيبين دائما؟