كلما تقدم بنا الوقت تبين أن الوضع يزداد تعقداً وتأزماً في منطقتنا، بين اليوم والآخر تزداد كثافة السحب المؤكدة للاحتقان السائد، كل يوم تقع أحداث جديدة توتر المنطقة وأحداث أقل تخفف من التوتر، تقاطعات عدة من العراق إلى غزة، ومن إيران إلى بيروت، ومن حاملة الطائرات الأميركية «كول» إلى سورية.
مأزق المنطقة يزداد وضوحاً: مأزق الانتخابات اللبنانية والصراع السياسي في لبنان، مأزق سورية مع لبنان والمحكمة والولايات المتحدة، مأزق «حماس» مع إسرائيل والشعب الفلسطيني، مأزق إسرائيل مع «حزب الله» ومع غزة والفلسطينيين وسورية وإيران، مأزق إيران مع الولايات المتحدة والمسألة النووية، مأزق العراق مع نفسه ومع محيطه، مأزق دول الخليج والسعودية ومصر مع سورية وإيران و«حزب الله» و«حماس»، ومأزق «القاعدة» الآخرين ومع قواعدها، صراعات واحتقان بلا أفق واضح للحل هو الأمر الذي يدمغ منطقتنا الآن، كيف ينتهي هذا كله إن استمرت الأطراف في تصارعها الراهن؟ هل بدأت الحرب الأهلية العربية – العربية الجديدة هذه المرة من لبنان، ومن العراق ومن إيران ومن غزة ومن القاهرة ودمشق والرياض في الوقت نفسه؟
فلو استمرت الولايات المتحدة في الحشد، وإسرائيل في الضرب، وإن استمرت «حماس» في توجيه الصواريخ، وإيران في تخصيب اليورانيوم وسورية في تعطيل انتخاب الرئيس اللبناني و«حزب الله» في التحضير للجولة الجديدة من القتال في لبنان وخارج لبنان، والرابع عشر من آذار في الإصرار على موقفها السياسي تجاه «حزب الله» وتجاه سورية، والسعودية في دعم الرابع عشر من آذار والإصرار على انتخاب الرئيس سليمان، والعراق في صراعه الذاتي مع نفسه، فمن الواضح أن هذه الحروب الصغرى ستفجر حرباً إقليمية للتعامل مع كل أو معظم أو جزء رئيسي من هذه القضايا العالقة بين الأطراف، فعندما تنغلق السبل السياسية وتتصادم مصالح الأقطاب وتتعاظم حال الخوف والشك في ما بينها فإن كل حدث صغير بإمكانه أن يتحول إلى حدث كبير، ويمكن الاستنتاج بأنه لن يوقف هذا التدهور إلا بتراجع بعض الأطراف عن مواقفها وتوجهاتها باتجاه حل وسط، إن نزع الفتيل لن يكون ممكناً إلا إذا تراجع أحد الأطراف، أو أكثر من طرف، عن مواقفه.
إن نزع الفتيل سوف يتطلب تعاوناً سورياً في انتخاب الرئيس الجديد في لبنان، وتعاوناً من قبل «حزب الله» في التهدئة في لبنان، كما أنه قد يعني إيقاف مفاجئ لكل ما له علاقة بالتخصيب من الجانب الإيراني، أو إيقاف شامل للتدخل الإيراني في الشأن العراقي، وهو قد يعني تراجع «حماس» عن قصف إسرائيل مقابل تهدئة حقيقية وإمكانية الوصول إلى حل سياسي مع «فتح» في شأن الأوضاع في غزة، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فهو يعني باللغة نفسها استعدادا أميركيا وعالميا ولبنانيا لمقايضة بعض الأبعاد الخاصة بسورية والمحكمة والسقف الذي تتعامل معه مع انتخاب الرئيس في لبنان والانفراج، كما أنه يعني تسوية أميركية مع إيران تقوم على الحل الوسط في المسألة النووية وتشجيع للفلسطينيين لإعادة الوحدة بينهم («حماس» و«فتح») مع رفع الحصار الإسرائيلي على غزة، هذا كله بإمكانه أن ينزع الفتيل، ولكن على الغالب لن يقع أي من هذا بسهولة ويسر، فالأمور تسير بالاتجاه المضاد.
إن الوضع القائم في المنطقة ينذر برياح عاتية، فحتى الآن فشلت كل محاولة للحل الوسط، لقد تجمدت المحاولات السعودية للتوسط وانغلقت الطرق بوجه محاولات جامعة الدول العربية انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وتم صد محاولات الدول الكبرى في إقناع إيران بإيقاف التخصيب، وتراجعت محاولات مصر تخفيف الاحتقان في شأن غزة و«حماس»، لهذا بالتحديد فإن جميع الاحتمالات مفتوحة والآفاق كلها ممكنة، لا أحد يعرف شكل المنطقة في المرحله المقبلة، الأكيد أن الظروف مهيأة لمواجهة إقليمية من دون أن يعني هذا توافر الوضوح نسبة إلى نتيجتها، ونسبة إلى الرابحين والخاسرين من جراء ما قد يقع، ما نسمعه طبول الحرب، وما نراه احتقان واستعداد وانتظار متوتر.