منذ فترة طويلة لم أكتب عن شريحة البدون ومعاناة هذه الفئة المغلوب على أمرها، التي باتت تحارب من المهد إلى اللحد، فلا شهادة ميلاد ولا إذن دفن للمتوفين إلى رحمة ربهم إلاّ بعد معاناة وإذلال ومنّة في غير محلها على الإطلاق، فالغالبية العظمى من البدون يعيشون في الجحيم ما بين الولادة والوفاة، ولا تحترم فيهم الإنسانية وكرامتها أو العدالة وتطبيقاتها أو حتى الإحسان وموارده، فلا تعليم ولا علاج ولا سكن ولا توظيف، ثم نطالبهم بأن يكونوا من خيرة الناس سلوكاً ونهجاً.
لكن ما استفزني للكتابة حول هذا الموضوع مجدداً بعض التصريحات النيابية، وفي وسائل إعلام أجنبية تعتبر في رأيي مسيئة لنا كبلد اسمه الكويت، ليس من باب الدعاية والتطبيل غير المستحق إطلاقاً إنما لمواردنا وإمكاناتنا وعطائنا السخي لأكثر من مئة دولة حول العالم!
عندما يقال إن الدولة تصرف أموالاً ضخمة على البدون وعلى لسان من يمثل الأمة فهذه طامة كبرى، فبالله عليك كم صرفت الحكومة على أبناء البدون منذ عام 1988 عندما بدأت سياسة الضغط عليهم وفصلهم من وظائفهم حتى اليوم؟ وما موارد الصرف هذه؟ أهي في مجال الصحة والعلاج حيث يدفع البدون رسوم مراجعة المراكز الصحية والمستشفيات؟ أم في مجال التوظيف حيث يتم تعيين بضع مئات من الجامعيين براتب لا يتجاوز 120 ديناراً شهرياً في بعض الوزارات والشركات الخاصة دون أن تسدد معاشاتهم لمدة طويلة تزيد على ستة شهور أحياناً؟ أم في تلك المساكن الشعبية المهترئة التي تشبه قرى الصفيح في إفريقيا وأميركا الجنوبية وقد انتهى عمرها الافتراضي، ولا يتحمل العيش فيها حتى المقيم الذي جاء من أفقر بلدان العالم طلباً للرزق في الكويت؟
أما التعليم بالنسبة إلى البدون فهو أم الكوارث لأن المحتاجين إلى هذه الخدمة هم من الأطفال واليافعين، وقد خصصت لهم الحكومة «صندوقاً خيرياً» يتم تمويله من المحسنين وبعض الشركات والبنوك المحلية، وبميزانية سنوية بالكاد تصل إلى خمسة ملايين دينار، وحتى هذه الأموال تدفع لمجموعة من المدارس الخاصة المزرية في مبانيها والسيئة في تعاملها مع الطلبة البدون من باب التنفيع لا أكثر ولا أقل، ومن يقبل من خريجي الثانوية في الجامعة يجب أن يكون ابناً للكويتية أو بمعدل لا يقل عن 90%، فما الفضل؟ وأين محل المنّة التي تستحق أن نشيد بها في الإعلام الأجنبي؟!
النكتة السمجة الأخيرة هي أن موارد الدولة محدودة! ولم تكن هذه الموارد محدودة إلا في تعليم البدون، في حين بلغت الهبات والمساعدات والقروض التي قدمتها الدولة للخارج في العام الماضي أكثر من 12 مليار دولار، لربما لهذا السبب أصبحت مواردنا محدودة، فلنتق اللّه في هذه الشريحة المظلومة التي بات شبابها يستدرج للجريمة والإرهاب، ولنتق شر دعوة المضطر والمحتاج ونحن على أبواب المدارس بعد شهر تقريباً، فعلاً هزلت في بلدنا أن تنقلب الآية بأن تكون الحكومة أكثر حرصاً على تعليم البدون من مجلس الأمة المنتخب شعبياً.
يا أخي العزيز هل تعلم أن الأرصدة المتضخمة في حسابات بعض نواب مجلس 2009، والتي تم كشفها من بنكين فقط بلغت 96 مليون دينار، وهذا المبلغ يكفي لتعليم أبناء البدون وفق الصندوق الخيري لمدة عشرين سنة، فهذه هي مواردنا المحدودة؟!