بث الصورة البشعة للنائب السابق مسلم البراك «بوحمود» وهو يُنقل كمريض إلى المستشفى من قِبل رجال الأمن، بدلاً من طاقم طبي متخصص، فضح الغلو بالتشفي من الخصوم.
وإذا كان هذا الأمر طبيعياً، تمارسه الأنظمة القمعية، التي تخفي ذلك، لا، بل تنفيه، جملة وتفصيلاً، لأنه يعرّي سياساتها الوحشية في تعاملها مع المعارضين السياسيين لها، فإن ممارسة ذلك علناً أمر يعجز العقل عن استيعابه.
هذا المنظر أعاد الأذهان والذاكرة إلى مشهد مماثل شهده المجتمع الكويتي قبل نحو 76 عاماً، وتحديداً عام 1939، عندما اقتيد أحد أفراد الحركة الوطنية المطالبة بإصلاحات سياسية، وهو محمد المنيس، إلى ساحة الصفاة من قِبل مجموعة «متوحشة» وافدة من خارج الكويت، وأعدمته بطريقة بشعة يندى لها الجبين.
حاكم الكويت، آنذاك، الشيخ أحمد الجابر الصباح، رحمه الله، هاله ما حدث، فقد كان قد طلب في وقت سابق من الشيخ عبدالله الجابر الصباح محاكمته، إلا أن هذه المجموعة الغريبة اختطفته، ومثَّلت به، فلما علم أحمد الجابر بذلك، توجَّه فوراً إلى والد محمد المنيس، مفسراً ما حدث، ومقدماً تعازيه.
وما حدث مع المنيس يُناقض كل ما جُبل عليه أهل الكويت، وحرصهم على التلاحم، وحل المشاكل بالحكمة وسعة الصدر.
أما قضية «بوحمود»، فمع اختلاف البعض معه، إلا أنه لم يقم بمحاولة انقلاب، من خلال تحريك دباباته وطائراته وصواريخه، حتى يُعد خطراً على نظام الحكم في الكويت، ليُحال إلى أجهزة أمن الدولة، فهناك قوانين ومحاكم تعالج مثل هذه الأمور السياسية، وحرية الرأي والكلمة أكدها دستور 1962، الذي ارتضيناه جميعاً، ووافقنا عليه، كما أن الكويت ليست دولة «كرتونية» تنهار لأتفه الأسباب، لذلك، فإن الغلو في الخصومة يُقلق كل ضمير حيّ.
بالمناسبة، سياسات كهذه في التعامل مع المعارضة الإصلاحية، هي التي تمهد لأرضية وقاعدة لوجود «داعش» وأخواته، الذين يطرحون أنفسهم على أنهم ملاذ المقهورين وطلاب الثأر من مسببي شقاء الناس والمعتدين على كرامتهم.
وأخيراً، أقول: في مقال سابق لي وجهت دعوة إلى التسامح، بكل براءة، وكنت ناصحاً، لا متحدياً، إلا أن الردَّ جاء سريعاً بالرفض.
فكم كنت جاهلاً لحقيقة الوضع المأساوي الذي نعيشه.
والله يستر!