يستغرب الناس مما آلت إليه أحوال بلدهم الكويت، فقد كانت منذ خمسينات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينات من تقدّم لأفضل ومن تطور لآخر، فقد تميز فيها التعليم وارتقت الرعاية الصحية، ونما العمران والطرقات، وحظي الشباب برعاية وعناية فائقة، وازدهرت فيها التجارة، وراجت فيها الحركة الفكرية والثقافية والمسرحية، وأنجزت الحكومات ومجالس الأمة، وانتشر في ربوعها الإبداع، وصارت الكويت قبلة لأبناء الأمة العربية. ومنذ منتصف الثمانينات بدأت حالة الانحدار في كل شيء حتى وصلنا إلى أسوأ الأحوال، وهو سر استغراب وتساؤل الناس. وبصراحة لابد منها، هذه جملة أسباب الانحدار:
1 – أفسدت معظم الحكومات ومجالس الأمة سلوكيات الناس، ودمرت قيم المواطنة، فنشروا بينهم ثقافة الاتكالية والكسل والتساهل بالذمم والواسطة المدمرة، فتعاملوا مع الوطن على أنه خزنة، فتسابقوا في الاستيلاء عليها، فصار التوظف بالدولة نمطاً لأخذ المرتب كحق من دون عمل، والتعليم نهشته واسطات بعض النواب والوزراء، فصار يخرج حمَلة شهادات بلا جهد، بل بعثاته تُمنح لمن يستحق ومن لا يستحق، فظهرت الشهادات الوهمية والجامعات الدكاكينية.
2 – أن النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية وجيل آباء السبعينات وما بعدهم صاروا -إلا ما ندر- معاول هدم للوطن، فتجدهم يتحدثون بالمثاليات وممارساتهم فاسدة في تنفيع بعضهم وتضخيم حساباتهم وتبرير تجاوزاتهم، وفي الواسطة لأبنائهم وذويهم وعدم غرس قيم المواطنة الصالح فيهم، وفي تلونهم المصلحي أو السياسي وفقدانهم شجاعة النقد والمصارحة مع السلطة، وعدم قبولهم الرأي الآخر، وانشغالهم بقضايا جانبية وجزئية لم تجر على البلد إلا صراعات اجتماعية أو فكرية أو سياسية تافهة، وهم خواء فكري ولا مشروع إصلاحي لديهم فقد عين منهم وزراء ونجح من بينهم أعضاء واحتل معظمهم المناصب ولم يقدموا شيئاً للوطن الذي استمر في التراجع سوى بناء أمجادهم الشخصية الهزيلة.
3 – أن المواطنة البناءة اختفت في البيت والمدرسة والتعليم والعمل، ففي البيت ضاعت القدوات، فهذا أب يذهب للعمل أو يغيب بمزاجه، وهذا أب متقاعد لا يعرف عن بيته سوى كونه غرفة في فندق للنوم، وتلك أمة ألهتها السهرات أو العزومات أو السفر أو القهاوي، وأخرى تتذمر من عملها لأنهم يطالبونها بالمواظبة والإنتاجية، وبين هذا وتلك فقدت الأسرة روابطها وفات الأبناء محضنهم الطبيعي، وصار الخدم هم من يدبرون شؤون البيت، وتراجعت أهمية ودور البيت والأسرة، فخرج معظم الجيل وهو لا يحترم الكبير ولا يقدّر المسؤولية ولا يهتم عائلياً يعيش لنفسه ومغرق في الأنانية، باحث عن الثراء السريع ومسرف في الترف، ضحل في الثقافة، وتزايدت أحوال عنفه وجرائمه.
4 – صار الجميع بلا استثناء يزايد ويتسابق في تكريس كل ما سبق، بمزيد من مشروعات هدر القيم وهدم الإنسان وقيمه، ومن ذلك توسيع الصرف والهدر والإنفاق غير المجدي إلا للتكسب السياسي أو الشعبي أو للترضيات، وفي قبالة ذلك صار الناس يوما بعد الآخر يرغبون في كل شيء ويطالبون بمزيد من الأموال والعطايا والهبات، والكل لا يريد تحمل المسؤولية ولا المحاسبة ولا تصحيح أوضاع واقعنا المر، وجميعنا شركاء فيه، فلماذا الاستغراب مما آل إليه البلد إن كنا جميعاً نساهم فيه.