لا جدل أنه في عالم السياسة الدولية لا توجد عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وانما مصالح دائمة، على أساسها ترتب الدول المختلفة علاقاتها وسياساتها الخارجية، والحكمة تقتضي أن نتعامل مع هذه الحقيقة بواقعية ودقة واضحة، خصوصا في منطقتنا العربية ومحيطنا الخليجي، حيث تتعرض المصالح الأميركية أولا، والغربية لمتغيرات عديدة وليدة تغييرات طبيعية أحيانا، ومن صنع أيديهم أحيانا أخرى.
ولو عملنا مراجعة سريعة لمجريات تلك السياسة في عالمنا العربي، لأدركنا أن السياسة الأميركية تتبدل كل عشر سنوات، ولا صديق أو عدو دائماً لها، فبعد سقوط شرطي الخليج (نظام الشاه) في إيران عامي 1977ــ 1978، الذي عجل الأميركان والغرب سقوطه بدعمهم للخميني بفكرة الأشرطة وترتيبات عودته من باريس، تحولت إيران من الصديق الحميم إلى الشيطان الأكبر، فما الذي حصل؟
وقد حرض الأميركيون صدام حسين، الطامح لزعامة عربية كبيرة الى إسقاط اتفاقه مع الشاه، وبدأت الحرب العراقية ـــ الإيرانية، وكان الغرب في صف العراق، ويدعمه بكل أنواع الدعم، من خلال استنزاف ثروات دول الخليج «تحت شعار حماية أمن دول الخليج العربية»، حتى جاء عام 1986 ليتحول الغرب نحو إيران، وتبدأ سياسات مضادة للعراق، وكان عنوانها «مذبحة حلبجة»، رغم أن جرائم صدام أشنع وأكثر من أن تعد وتحصى في مواجهة شعبه. بل وتطور الأمر الى أن تم ترتيب توريط العراق بغزو الكويت بإيحاءات أميركية، تم بحمد الله تحرير الكويت منه بتكلفة قدرت بـ 170 مليار دولار تحملتها دول الخليج، منها 90 مليارا دفعتها الكويت «حماية لأمن الخليج».
ولم يسقط نظام صدام، وإنما ترك حتى كان بديل ملء فراغ سقوطه بعد 13 عاما في سنة 2004 هو إيران، ومد نفوذها في العراق والمنطقة «ليزداد إنفاق الحفاظ على أمن الخليج» من إيران. وتترك دولنا والمنطقة عرضة لتقلبات لا يمكن التكهن بها.
وبدأت ترتيبات إعادة شرطي الخليج لوضعه السابق بترتيبات إميركية، ربما لتكريس الطائفية، فبدأت سنوات مباحثات النووي الإيراني، وانتهت في مارس ثم استكملت في يوليو 2015، ودول الخليج في قلق مشروع، والأميركيون يطمئنونهم بشكل بعيد عن المصداقية، فتمت قمة كامب ديفيد مع قادة الخليج في مارس، واجتمع كيري مع قيادات الخليج في الدوحة قبل أيام، ولكن من الواضح أن مصالح الأميركان مع الخليج قد تبدلت، وتطميناتهم غير مجدية، مداها بيع أسلحة عليهم بعنوان «الحفاظ على الخليج».
والواقع على الأرض يبرهن أن الأميركان هم من دعموا نظاما طائفيا تحت سيطرة إيران وما زالوا، وهم من أوقف سقوط نظام الأسد بعدم فرض حظر طيران ترتيبا مع إيران، مما عزز استمرار النظام وهيمنة إيران، وهم من ترك حزب الله يصول ويجول عبثا في المنطقة، وتحديدا في سوريا، وتعطيل الوضع السياسي في لبنان بالترتيب مع إيران، وهم من عزز وجود إيران في اليمن، وتطميناتهم لكل ما سبق، برأيي فاقدة للمصداقية، وعلى دول الخليج والعرب أن يفيقوا قبل فوات الفرصة، بترتيب تحالف أقليمي ـ تركي مصري ـ خليجي، واتحاد خليجي يضم اليمن، قبل أن نصل الى مرحلة التباكي على أطلال دولنا، وقد ابتلعت إيران جزءاً منها، فلا صديق دائم للأميركان.