مهما كانت النتائج المقبلة، سيكون هناك تشكيل حكومي جديد. ولكن يجب بالوقت نفسه أن يكون هناك مجال لإعطاء الحكومة فرصة لإثبات قدراتها وإمكانياتها. وبغض النظر عمن سيكون في سدة رئاسة الحكومية المقبلة (وإن كانت المؤشرات كلها تؤكد أن رئيس الحكومة سيكون الشيخ ناصر المحمد) إلا أن الأساس هو في المقدرة على فتح صفحة جديدة لديها عنوان رئيسي: إعطاء فرصة للحكومة للقيام بدورها، وإعطاء فرصة للحكومة للقيام بصنع التغيير في ظل برنامج سياسي وإداري وحكومي ملزم للحكومة على مدى الأعوام التالية. لهذا يجب أن يكون التفكير الحكومي الآن منصباً على تجميع فريق سياسي وإداري واقتصادي قادر على وضع الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي الذي يجب أن يتم انتقاء الوزراء على أساسه. بمعنى آخر يجب أن يكون هناك تصور يجري بناؤه الآن بصورة جماعية يتحول إلى التوصيف الوظيفي لكل وزير ولكل مسؤول في الإدارات الحكومية على جميع المستويات.
إن القول ببرنامج للخصخصة في الكويت يعني تعيين وزراء قادرين على إدارة هذا البرنامج بصورة صائبة في المرحلة المقبلة، كما أن القول بتحويل مسار البلاد نحو الاستثمار والمال يتطلب كفاءات محددة في المؤسسات الحكومية. كما أن وجود برنامج يحول الكويت من واقعها الحالي إلى واقع جديد يتطلب تدريباً حقيقياً وتهيؤاً حقيقياً للكادرات الحكومية الشبابية والوسطى كلها، لكي تحقق إنتاجية أفضل وقدرات قياديه أكثر اتقاناً. إن المسألة الرئيسية في الحكومة المقبلة مدى مقدرتها على طرح برنامج سياسي واقتصادي وإداري ورياضي وصحي وإنساني متكامل، ثم أخذها الفرصة لتطبيق هذا البرنامج وفق تصورات قابلة للتطبيق، ثم محاسبتها على التطبيق.
إن هذا السيناريو ممكن بعد الانتخابات في ظل التزام من قبل المجلس بأن يقدم للحكومة هدنة حقيقية في ما يتعلق بالاستجوابات والأزمات، من جهة أخرى سيكون مطلوباً من الحكومة أن تقدم برنامجاً واضحاً جوهره تنموي وهدفه إصلاحي وأبعاده تطبيقية على كل صعيد. هذا البرنامج في التعليم، والصحة، والإدارة والخصخصة وغيره يجب أن يقدم إلى مجلس الأمة ليقره، ويجب أن يكون البرنامج الحكم بين الحكومة والمجلس وبين الحكومة والشعب.
من جهة أخرى، سيكون أعضاء المجلس أكثر قدرة على إعطاء الحكومة الهدنة المطلوبة. فعلى الغالب سيكون أعضاء مجلس الأمة القادمين أكثر وعياً بمتطلبات المرحلة، وأكثر معرفة بالظروف المحيطة بالكويت، وأكثر التزاماً بالمشروع الوطني الكويتي، وذلك بحكم القاعدة العددية التي انتخبتهم. ولكن من جهة أخرى سيكون أعضاء مجلس الأمة الجدد أكثر إصراراً على البرنامج، وأكثر جرأة في الطرح في حال لم تتحقق أي من الوعود الأساسية المطروحة كمهام للكويت. في هذا سيكون الوضع محفوفاً بالمخاطر. ففشل الحكومة في المرحلة المقبلة سوف يسجل عليها بصورة أكبر من أي فشل سابق، والأزمات التي قد تنجم عن عدم قيامها بالمسؤولية المناطة بها سوف يؤدي إلى مأزق أوسع على مستوى البلاد. في هذا قد تتجمع بوادر أزمة دستورية. ومن هنا حساسية المرحلة المقبلة.
ولكن البرلمان المكون من خمسين عضواً هو الآخر لا يستطيع أن يتصرف بلا تنسيق بين أعضائه، وبلا تفكير عميق في كل تساؤل واستجواب. على البرلمان الجديد أن يثبت أنه نقطة تحول عن البرلمان الذي سبقه، وعليه أن يعطي الفرصة للحكومة لتطبق تصوراتها. أما إذا مر الوقت ولم تنجح الحكومة في تحقيق الجديد، حينها ستكون الأمور جلية وسيكون موقف البرلمان أكثر قوة. إن إعطاء الفرصة للحكومة أمر أساسي لنجاح التجربة الديموقراطية في الكويت. فبلا هذ الفرصة ستقول الحكومة إنها لم تستطع العمل لأن عناصر التأزيم سبب ذلك، وسيقول الشعب إن البرلمان هو السبب، وسيقول الجميع إن الديموقراطية هي سبب العلة وليس البرنامج الحكومي أو التطبيق الحكومي. إن وضوح الوضع يتطلب إعطاء المساحة والمسافة اللازمتين للحكومة للقيام بمهامها. حينها بالإمكان تسمية الأمور بأسمائها إيجاباً أو سلباً نجاحاً أو فشلاً. بطبيعة الحال نتمنى النجاح، لأن ذلك يوفر على الكويت الكثير من الآلام والتجارب السلبية.