أكتب هذا المقال وأنا أستمع إلى أغنية “خدوا بالكو دي مصر”، بعد أن طرحت جهاز الموبايل من متابعة مقطع قصير لإعلامي مصري منفعل جدا. أحترم الإعلاميين “الشرفاء”، لا سيما من يخلصون في رؤاهم وأفكارهم إلى أوطانهم بنقد المساوئ نقدا بناء يسعى إلى الإصلاح وتدارك الأخطاء. يحدث أن يكون حديثهم لاذعا وشاطحا ينبع من غضبة ولسعة الضمير. لا نلوم الوطنيين إذا غضبوا أحيانا، و”سأحسن الظن” وأحسب إبراهيم عيسى كذلك. هو الذي يقول في برنامجه الذي نقلت عنه الجزيرة “عندي قدرة المفكرين والمبدعين المصريين على أنهم يديروا الدنيا بفنهم وإبداعهم، إنهم يستعيدوا المكانة العظيمة لمصر ثقافيا وفنيا وحضاريا ووجدانيا بدل ما سايبين الدنيا لدواعش غبية بتفسد عقول الناس وتدمر أجيال وتنشر الظلام، ووهابية مدفوعة من السعودية وفلوس النفط، وسلفيين ممولين من السعودية ومن دول النفط تلوث في العقل المصري، تخرب في الوجدان المصري، تحوِّل مصر إلى صحراء فكرية وإلى بداوة فقهية”.
إبراهيم حر في رأيه وأتمنى أن يكون الإعلام المصري دائما حرا. لن أناقش في هذه المساحة الصغيرة ما فعلت أموال النفط، لكن تساؤلي هنا: هل كانت فعلا هذه الأموال هي سبب ما حدث في مصر حرفيا؟ قرأت على BBC أنه يصعب قياس قوة الحركة السلفية في مصر إلا أن نسبة التأييد بين الشعب المصري تقل عن 10 في المائة. والسلفيون هم في عددهم أكثر من الإخوان، لذا فسأفترض أن التيارين لن يتجاوزا 10 ــ 15 في المائة من الشعب، في المقابل فعدد المصريين ربما تجاوز 95 مليون مصري.
الجميع في المنطقة عانى أخطاء المنطقة، من أحلام عبد الناصر وحروبه غير المدروسة وتوقف مشاريع النهضة في مصر من أجل التسليح، ومن ثم تلاقح الجهادية الانقلابية المصرية زمن السادات مع بعض السلفية الخليجية لينتجا السلفية الجهادية، ولا ننسى البعثية في سورية والعراق والثورة الإيرانية وحادثة جهيمان وما بعدها، وحروب الخليج واحتلال العراق حتى الثورات العربية وصعود الإخوان. الجميع له حصة من الأخطاء التي دفعت المنطقة فاتورتها، ومن بين ذلك الإسلام السياسي. لمصر نسبيا حرية اجتماعية ومرونة سياسية أكبر بكثير، لماذا تراجعت مصر وهي تمتلك أسباب النهضة، في حين نهضت دول أخرى في المنطقة وأصبحت أقطابا اقتصادية عالمية؟ ربما السؤال يبدو ضائعا الآن لكنه يحتاج إلى جواب ليكون “خريطة طريق” قادمة، لا سيما أن إخلاص المصريين لمصر وفقدان بعضهم الانتماء الحقيقي لبلدهم، هما محل التساؤل. ويبقى أهم ما تنبغي مناقشته أيضا هو انحسار النهضة الذي يفترض أن تترجمه مواقف مصر القومية.
ليس ذلك زمن المحاسبة العقيمة بل زمن الإصلاح، وإن كانت المحاسبة جزءا من معرفة الأخطاء. وإذا كانت هناك مكاشفة بين الشعوب، فنحن أيضا نريد أن نغضب من مصر لأنها كانت جزءا من تأخر المنطقة. مصر ذات البعد التاريخي والعمق العربي عانت خللا. مصر التي سبقت العرب في الديمقراطية السياسية، مصر التي أنجبت كبارا وكفاءات في مختلف فنون العلم والأدب والفن وهي أدوات رئيسة لوعي المجتمعات، ومع ذلك ظلت جامدة كأهراماتها والعالم من حولها يركض. في النهاية، ارتباط مصر والسعودية ليس ارتباطا سياسيا فحسب بل شعبيا عاطفيا أيضا، وينبغي أن يتفهم كل طرف غضبة الآخر.