تحليل الأوضاع الحالية للأسر الحاكمة في بعض دول الخليج العربية، يحفز العقل باتجاه التفكير في إجابة على السؤال التالي:
إذا بلغ ضعف الأسر الحاكمة الحد الذي يجعلها غير ممسكة بزمام الأمور، من هي “الفئة”، أو “الجماعة”، أو “المجموعة”، التي ستكون “الوريث السياسي” لنفوذ تلك الأسر؟ أقول “نفوذ” وليس “حكم”، لأن إزاحة تلك الأسر من السلطة ليس مطروحا.
أقدم السؤال السابق، لأنني أرى أنه لا توجد في دول الخليج العربية “بُنية تحتية سياسية” جاهزة ومعدة لوراثة إدارة الدولة. فلا حكم دستوري راسخ، ولا عمل سياسي منظم، ولا أحزاب. أما “الجماعات السياسية” المنتشرة هنا وهناك، فهي ضعيفة للغاية، وغير قادرة على إثبات وجودها. وحتى لو وجدت أحزاب قوية، فإنها ستكون قائمة على فكرة “المعارضة” للسلطة فقط من دون أن تكون قادرة على إدارة الدولة.
وأرى أن الموجود اليوم، هو “تكوينات”، أو ربما “حاضنات”، اقتصادية، اجتماعية، أو دينية طائفية، منتفعة ومؤثرة، تتكسب من خلال تحالفات مصلحية مع الأسر الحاكمة. كما أنه لا يوجد في الأساس “مشروع دولة” في دول الخليج العربية حتى يمكن الحديث عن “وراثته”، بقدر ما توجد “مشروعات حكم” تأخذ الطابع الشخصي لا المجتمعي.
لقد اعتادت دول الخليج العربية على “التداول الداخلي” للسلطة، أي وراثة الحكم ضمن نطاق الأسرة الحاكمة أو الفرع الحاكم فيها، لذلك لم يتم الاعتياد إطلاقا على تداول فكرة السؤال الذي طرحته، ومناقشتها علنا. فحتى الإطاحة بالحكام، التي حدثت في كل من قطر وسلطنة عمان من قبل، ظلت في نطاق “عائلي”، وكأنها شأن خاص بالأسر الحاكمة فقط.
إن السؤال السابق ليس افتراضيا محضا لا صلة له بالواقع، بل هو على العكس تماما. فالارتخاء والعيش في وهم “السلطة الأبدية” لتلك الأسر هو: إما نتاج اللهو بتفاصيل يومية من دون مراقبة ومتابعة مؤشرات التغيير ونطاقه، سواء المحلي أو الإقليمي أو حتى العالمي، أو نتاج إهمال منهج التفكير المستقبلي عموما، وعدم ذيوعه وانتشاره بيننا نحن أهل الخليج.
إن التعليم والوعي العام والأوضاع المعيشية والتوق إلى الحرية… ليست العامل الوحيد الذي (قد) يرخي قبضة الأسر الحاكمة على السلطة، بل هناك عامل أساسي آخر هو مدى كفاءة تلك الأسر في إدارة شؤون الدولة ــــ في المستقبل ــــ على ضوء التراجع الملحوظ، الشديد والمتسارع، وتراكماته خلال الخمسين سنة الماضية، والذي يصاحبه، على الأرجح، انخفاض في “القيمة الاجتماعية”. فضلا عن ذلك، فإنه ربما تكون الصفوف الاحتياطية من “حكام المستقبل” غير مهيأة للقيام بأعباء إدارة الدولة حين يصلها الدور، وهو الأمر الذي قد يتسبب في اضطراب قواعد العلاقات القديمة بين الأسر الحاكمة والشعوب.
واليوم، أنا لست بصدد تقديم إجابتي الشخصية على السؤال، وإن كنت من أنصار “الإمارات والملكيات الدستورية” التي أرى حتمية التحول نحوها، إنما أقصد من طرح السؤال تحفيز الآخرين على التفكير في الإجابة، ولو جاءت بصيغة التداول المحدود وعلى نطاق خاص في المرحلة الراهنة. كما أنني لا أطرح السؤال بحثا عن إجابة صحيحة على طريقة “من يربح المليون”، إنما بهدف استدراج التوقعات تمهيدا للدعوة إلى “صناعة” ما يمكن اعتباره Safety Net أو “شبكة الأمان” على مستوى دول الخليج العربية تحول دون تعرض تلك الدول، والأسر الحاكمة فيها، إلى هزات سياسية مدمرة نتيجة تحول سياسي مفاجئ أو غير مدروس في السلطة.
إن السلطة المركزية للأسر الحاكمة في الخليج لن تدوم قوية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لذلك فإن طرح السؤال والتفكير في إجابة عليه يصبح أمرا مشروعا، بل وواجبا، لأنه ليس مطروحا إزاحة تلك الأسر أو سقوط حكمها، إنما إيجاد صيغة توافقية متقدمة تحصّن دول الخليج ضد الفوضى، وتكون فيها للأسر الحاكمة مكانة اجتماعية مميزة، وفق تنظيم دستوري يضمن سيادة الأمة، وتداول السلطة، في إطار نظام برلماني كامل، يحافظ على ثرواتها، ويؤسس لقضاء مستقل غير تابع للسلطة السياسية.
وحول هذا الموضوع، أنوي كتابة مقالات أخرى بإذن الله وتوفيقه،،،