نص دستور دولة الكويت بشكل واضح على تعزيز وضمان الأمان الاجتماعي لمختلف الشرائح والفئات من المواطنين، وذلك بهدف بناء دولة الرفاه انسجاماً مع ما ورد في الدستور من مبادئ ونصوص تهدف لتحقيق ذلك. كما أن هذه المبادئ والنصوص الدستورية ضمنت الوصول إلى مستويات متقدمة من الرعاية المادية والاجتماعية وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، والتي تكفل في إطارها أسس ومكونات الانصهار والتماسك الاجتماعي.
وبناء على ذلك قامت الدولة بتأسيس منظومة متكاملة من الدعم المادي والعيني، للوصول إلى مجتمع يتوفر فيه الرفاهيه لمختلف مكوناته، وذلك من خلال الاعتمادات السخية نسبياً للموازنات السنوية لمختلف أشكال الدعم للمواطنين سواء في صورة تحويلات نقدية كالمساعدات التي تمنحها الدولة للأسر محدودة الدخل والمتمثلة في نظام المساعدات الاجتماعية، أو بتحمل بعض الالتزامات التي يجب على المواطنين الوفاء بها رغبة من الدولة في تخفيف الأعباء عنهم كفوائد القروض العقارية والإعفاء منها، كما تأخذ هذه الإعانات صورة أخرى كقروض الزواج للشباب، ومن القنوات التي تلجأ إليها الدولة لتخفيف الأعباء عن المواطنين ما تخصصه من الاعتمادات لخفض تكاليف المعيشة وفروق الأسعار العالمية لمنتجات الغاز والمنتجات البترولية مقارنة بالأسعار المدعمة محلياً، ويمتد دور الدولة كذلك إلى دعم المؤسسات الأهلية والأندية، بالإضافة إلى الإعانات التي تقدم للطلاب كرسوم دراسية.
كل تلك الأمور كانت الدولة ترعاها وتعززها وتؤكد عليها، ولكن ما الذي حدث؟ لماذا تنادي الدولة اليوم برفع الدعم عن الوقود؟ وهل هو بداية لمسلسل قادم لتخفيض الدعم المقدم للمواطنين؟ كل تلك التساؤلات بدأت تدور في ذهني عندما قرأت في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لخبر يفيد بأن مجلس الوزراء يعتزم عقد اجتماع لبحث امكانية رفع الدعم عن الوقود، هل الدولة فعلاً تعاني من ضائقة مالية دفعتها نحو ذلك؟ مع العلم أن الكويت قد حققت فائضا في الموازنة العامة قدر بنحو 12.9 مليار دينار كويتي؛ أي ما يعادل 45 مليار دولار أمريكي.
دائماً ما كانت السلطة في الكويت تتفاخر بأن المواطن الكويتي لا يدفع ضريبة دخل، ويتمتع بالكهرباء والماء والعديد من السلع والخدمات الأساسية بأسعار مدعومة، ناهيك عن المساعدات الاجتماعية والتحويلات وصندوق المتعثرين والأسرة، ولكني أجدها اليوم بدأت فعلاً بالتضييق على المواطن، من خلال التلويح برفع الدعم عن الوقود، مما سترتب عليه تكلفة مادية إضافية على عاتقه، فاليوم المواطن يلجأ للمستشفيات والمراكز الطبية الخاصة لتلقي العلاج فيها نتيجة ضعف المرافق الطبية الحكومية وترديها، وأيضاً يلجأ المواطن للمدراس الخاصة لكي يتلقي الأبناء مستوى تعليمي أفضل نتيجة أيضاَ ضعف المنظومة التعليمية الحكومية، العقار ومواد البناء تعاني من جنون الأسعار، وكذلك ضعف المؤسسة الاسكانية في توفير المساكن للمواطنين مما ترتب عليه وجود أكثر من 100 ألف طلب إسكاني متراكم؛ أي أن هناك أكثر من 100 ألف أسرة لا تمتلك مسكن في الكويت مما ترتب عليه أرتفاع كبير في أسعار استأجار المساكن التي تكلف في العادة الأسرة أكثر من 25% من دخلها.
كلنا يعلم اليوم بأن أسعار النفط تعاني من انخفاض، وأن هذا الأمر له أثر سلبي على إيرادات الكويت النفطية وموازنتها العامة كذلك، ولكن ليس من المقبول أيضاً أن يتحمل المواطن الكويتي تكلفة ذلك، لأن سوء الأوضاع يجب أن تتحمل السلطة مسؤوليته، ألم ننادي منذ زمن بعيد بأنه يجب على السلطة أن تنوع مصادر دخلها، وأن تقوم بتخفيض الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي لتوليد الدخل، إذا كانت السلطة تريد تدارك الأمر لتحارب الفساد الذي أدى لهدر كبير في الانفاق، لأنه ليس من المعقول أن نسبة 82% من جرائم الاعتداء على المال العام مصيرها إلى الحفظ، لكني أعود وأكررها للمرة المليون إن مشكلتنا في الكويت مشكلة الإدارة.
لذلك رسالتي إلى السلطة، إن المتتبع للتاريخ الانساني يلاحظ أن جميع الحركات الاحتجاجية كانت تنشط بشكل فعال عندما تمس المستلزمات الاساسية للناس أو الشعوب، ضربتم وسحلتم وسجنتم شباب الحراك عندما عبروا عن ما في داخلهم لمزيد من الاصلاحات السياسية، وبررتم ذلك بأنكم تريدون حفظ الأمن، ولكن ماذا لو احتج الناس عليكم بدافع «نبي سكن، رفعتوا الدعم زيدوا رواتبنا، نبي تعليم أفضل، نبي وظائف لعيالنا»، هل سيتم في هذه الحالة سحل وضرب وسجن الناس؟؟ اليوم أوجه لكم النصح، أحسنوا إدارتكم للبلاد، كافحوا الفساد، خففوا من معاناة الناس، اضمنوا مستوى معيشي محترم للشعب، فالقادم ليس بمضمون وشرعيتكم مرهونة برضا الناس عنكم.
ولكن واقع الحال يقول:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي