رغم تعدد وتنوع التغييرات السياسية والاجتماعية التي جرت في الكويت خلال العقود الخمسة الماضية، إلا أن أسرة الصباح ما زالت تعتبر “شؤون الدولة” من قبيل “الشؤون الخاصة” بالأسرة. ومن الصعب جدا إقناع الشيوخ بوجوب استقلال سلطات الدولة ومؤسساتها عنهم، وبوجوب تبني فكرة سيادة القانون بعيدا عن وصايتهم وتوجيهاتهم… بل وأوامرهم في بعض الأحيان!
مؤخرا، عقدت أسرة الصباح اجتماعا موسعا تم تخصيصه لمناقشة موضوع “فضيحة جنيف”، وموضوع “ثروة وتحويلات” الشيخ ناصر المحمد التي كشفها مسلم البراك في لقاء تلفزيوني مؤخرا. وعلى الرغم من أهمية الاجتماع، إلا أنه لم يتم الإعلان عنه ولا عما دار فيه، وهذا التكتم المعتاد ليس إلا نتيجة لتعامل أسرة الصباح مع الشأن العام بوصفه شأنا خاصا بهم لا بالدولة!
ونتيجة لاختلاط الشأن العام للدولة وسلطاتها ومؤسساتها وقوانينها بالشأن الخاص لأسرة الصباح و”ملكيتها”، فإن معالجة الشيوخ، الجدية، للشؤون العامة تتم خارج إطار مؤسسات الدولة وبصيغة شخصية أسرية! “فضيحة جنيف”، على سبيل المثال، يتم التعامل معها من الناحية “الشكلية” فقط عن طريق النيابة العامة ومجلس الأمة ووفق مسار محدد سلفا، لكن التعامل الجاد يتم حاليا في “الإطار الأسري”. إذ رغم اقتناع معظم الشيوخ بصحة “التسجيلات” وبخطورتها على أمن الدولة، إلا أنهم ينظرون للموضوع وكأنه مجرد خلاف بين الشيخ أحمد الفهد من جهة والشيخ ناصر المحمد وجاسم الخرافي من جهة أخرى، أي باعتباره من قبيل “الخلافات العائلية”. وقد قيل في الاجتماع الأخير إن الخلافات “الشخصية” أرهقت الأسرة!
أما عن موضوع ثروة الشيخ ناصر المحمد و”تحويلاته” التي كشف النقاب عنها مسلم البراك، فقد تم الاتفاق خلال اجتماع الأسرة الأخير على تشكيل لجنة من الشيوخ لبحث مصادر ثروة الشيخ ناصر ومدى صحة “تحويلاته” ولمن ذهبت تلك التحويلات ومبرراتها!
إن المعالجة “الأسرية” للاختلالات الخطيرة في الدولة، أيا كان موضوعها وتفاصيلها، لا تتناسب مع “فكرة الدولة والقانون”. بل أن شؤون الإمارة وولاية العهد ورئاسة الحكومة واختيار الوزراء وكل شأن عام يجب ألا يبقى في إطار أسرة الصباح فقط، فهذه كلها شؤون عامة ينظم الدستور معظمها أو يضع لها إطار عام تفصله القوانين.
وفي الحقيقة لست ألوم أسرة الصباح على خلطها بين الشأن العام والشأن الخاص، فــ “المعارضة” “التقليدية” طوال العقود السابقة وحتى يومنا هذا، تتقبل تلك المعادلة. والمؤلم أن “معارضة” اليوم مترددة بشأن تبني “فضيحة جنيف” بشكل صريح، ولم نجد سوى مسلم البراك يتصدى صراحة وعلنا لقصة “ثروة” الشيخ ناصر و”تحويلاته”. وحسب المعلومات، فإن اجتماع الأسرة الأخير لم يعقد إلا بتأثير مقابلة مسلم البراك التلفزيونية من جهة، وقيام أحد الحسابات المجهولة في “تويتر” بنشر تفاصيل دقيقة “لفضيحة جنيف”!
وفي تقديري الشخصي، فإن بقاء “فضيحة جنيف”، وموضوع “ثروة ناصر وتحويلاته”، في إطار المعالجة “الأسرية”، لن يؤدي إلى نتيجة مهمة. إن النتيجة المرجوة ليست إبعاد هذا الشيخ أو ذاك، بل النتيجة التي نريد هي تطبيق محايد وفعال للقانون، وهذا يتطلب عمل جاد على تغيير ميزان القوى السياسي والاجتماعي المصاحب له، وهو عمل يحتاج استعداد للمخاطرة والتضحية بعيدا عن المكسب الشخصي.
في الاجتماع الأخير للشيوخ، قال أحدهم مخاطبا الكبار: “علمتونا إن الكويت عين والصباح عين”. إن هذا المعادلة جميلة ومؤثرة من الناحية العاطفية، لكنها تحتاج إلى تطوير، فاليوم يجب أن تكون “الكويت عين والشعب عين”… وأسرة الصباح هم حتما، وفق هذه المعادلة، من الشعب ولا أكثر من ذلك!