يبدو أن هناك مناخاً محبطاً يغطي سماء الدولة، لاحظته في عزوف عدد من المغردين الذين أتابعهم عن التغريد السياسي والاجتماعي، بعضهم وبعضهن طلق بالثلاث “توتير”، ربما تيقنوا أخيراً بعدم جدوى رسائلهم القصيرة في نقد الأوضاع المحلية، ربما يئسوا من إصلاح الأمور في الدولة، فالنخب الحاكمة على “حطة إيدكم” وفي مكانك راوح، سواء كان سعر البرميل فوق 100 دولار، أو أقل من 40، فالفكر الذي يدير الأمور أيام العز هو ذاته من يديرها الآن في أيام “الطز”، لم يتغير أمر ما في بلد “الله لا يغير علينا”، مع أن الأحوال تغيرت، فزمان إجازة الاقتصاد والسياسة ولى من غير رجعة، لكن الإدارة والكثيرين مازالوا يصرون على العيش في رخاوة الإجازات، وأوهام بعيدة عن الواقع.
الإحباط هو شعور بالعجز عن تغيير وتعديل الأوضاع، التي يراها الواعون منحرفة وخاطئة، وتسير ضد منطق الأمور.
أصحاب الفكر القلق الواعي يتجرعون كأس الإحباط، لأنه ليس بيدهم شيء، ضربت السلطة على أيديهم، فحريات التعبير كأعظم مضاد لمشاعر الإحباط تم التضييق عليها، وتم خنقها بالقانون الجائر أحياناً، وبغير القانون في أحايين كثيرة حين تلوى رقبة القانون بهيمنة السلطة الواحدة المشرعة المفسرة الحاكمة للقاعدة القانونية من غير رقابة أي سلطة أخرى… سحبت الجناسي من مواطنين ولا يمكن أن تتحدى ذلك القرار الهابط من أعلى، زج بعدد من أصحاب الرأي بالسجون، ولا يمكن أن تفعل شيئاً لنقدها، فالانتقاد خارج حدود ما تراه السلطة من المحرمات، وفي النهاية، لم يعد لحرية الرأي أهمية ما لم يكن مطبلاً للنخب الحاكمة أو مداهناً لمشاعر غير عقلانية مهيمنة على فكر كثيرين.
إحباط، عند المهتمين بالشأن العام، ربما، من أسبابه، تردي خطاب كبار في المعارضة السياسية، وغرق رموزها في قضايا هامشية، مع أن مثل هذا الإحباط غير مبرر، فالمعارضة، ليست أشخاصاً، ولا يفترض أن تكون قاصرة على زيد وعبيد من الناس، مهما كانت مساهمتهم كبيرة في نقد السلطة، وإنما هي فكر ومنهج يتغيران ويتبدلان مع تغير الظروف والمناسبات، واليوم تغيرت كثير من الأضاع، ولا بد من تغير فحوى الخطاب والارتفاع على مستوى الحدث، وهو أزمة الدولة مع هذا الاقتصاد الريعي، وعجز السلطة عن وضع الحلول لغد، لم يعد مجهولاً عند أي حصيف يقرأ الحال، وصور الفساد التي نراها اليوم هي وليدة هذا الاقتصاد المتواكل على سلعة النفط، وهذه الإدارة السياسية المشلولة بفكرها والتي تعيد إنتاج نفسها بلا توقف.
الإحباط هو اليأس من إمكانية التغيير، وهو تسليم الأمور لقدر الزمان والمصادفة. ماذا ننتظر اليوم؟ صدفة جديدة جميلة تنقذنا من إحباط اليوم؟! المجتمعات الحية الواعية تخلق قدرها ولا تتركها للمصادفات.