انتقل إلى رحمة الله تعالى قبل أيام الصديق العزيز والإعلامي المصري الكبير وجدي الحكيم الذي يعتبر شاهد عصر على المتغيرات الكبرى التي شهدتها مصر والمنطقة العربية في مرحلة 1952 وما بعدها، حيث كان مذيعا ثم مسؤولا عن إذاعة صوت العرب في عز مجدها، إضافة إلى فعاليات فنية وإعلامية كثيرة استمرت حتى يوم وفاته.
***
ومما رواه لي الراحل الكبير وجدي الحكيم كيف استدعاه وزير الإعلام المصري محمد فائق ثاني أيام نكسة 1967 وطلب منه أن يعد مجموعة أغان تطالب الرئيس عبدالناصر بالعودة عن استقالته، وأن الوزير طلب منه ألا يذيعها إلا إذا أتاه أمر مباشر وليس خطيا منه عبر تلاقي العين بالعين، وكيف أن تلك الأغاني استخدمت لاحقا في دعم الرئيس السادات عندما حاول الوزير محمد فائق ومن معه من وزراء الإطاحة به عبر تقديم استقالات جماعية له.
***
ولا يعلم شباب هذه الأيام أن العرب من المحيط إلى الخليج قد انقسموا كعادتهم منذ الخمسينيات حتى السبعينيات إلى مناصرين لعبدالحليم حافظ ومؤيدين متعصبين لفريد الأطرش، ويكشف الحكيم أن عبدالناصر كان وبعكس ما يعتقد محبا للأطرش ولا يطرب لأغاني «مطرب الثورة» كما كان يسمى عبدالحليم، وأن الأخير كان يعلم بذلك الأمر، لذا احتال لدخول بيت عبدالناصر والتعرف عليه عن طريق إحياء أعياد ميلاد أبنائه.
***
ويكذب الحكيم فيما روى حكاية اشتهرت في حينها بأن لقاء أم كلثوم وعبدالوهاب في أغنية «انت عمري» والتي سميت بـ«لقاء السحاب»، كان بتدخل شخصي من عبدالناصر، ويروي التفاصيل الدقيقة لذلك اللقاء الذي كان شاهدا عليه، وكيف كان عبدالوهاب قلقا من ألا تقبل أم كلثوم لحنه وترفض غناءه، وأن السبب الحقيقي لرفض أم كلثوم ألحان عبدالوهاب أو حتى فريد الأطرش اعتقادها بأنهما سينسبان الفضل لهما لا لها فيما لو نجحت أغانيهما.
***
وفي العشاء الأخير الذي ضمنا خرجنا بعده للتجوال بالسيارة، ولما كان الليل وكعادته في القاهرة مازال في أوله، فقد قرر أن يريني بعض الأماكن المرتبطة بأحداث فنية معينة، فقد كان بحق موسوعة في الفن والأدب والأحداث السياسية، فهنا كما ذكر جلس الشاعر العاشق أحمد رامي يكتب على ورق السجائر كلمات رائعته «رق الحبيب» بعد أن اتصلت أم كلثوم به تدعوه لزيارتها في منزلها بالزمالك، وعلى هذا المقهى كان يجلس أمير شعراء العامية المصرية بيرم التونسي ليكتب كلمات أغان سهلة تقطر بالرقة مثل «هو صحيح الهوى غلاب» و«الآهات» و«الأمل» و«شمس الأصيل».
***
آخر محطة: للراحل وجدي الحكيم الفضل الأول في إنجاز ملحمة «الليلة المحمدية» عام 1990 التي كتب كلماتها عبدالرحمن الأبنودي ولحنها جمال سلامة وشدا بها عبدالله الرويشد، والتي أسالت الدمع من المآقي وعبّرت بحق عن نصرة الشعب المصري الأصيل للحق الكويتي، وكان من كلماتها المعبرة.. «بلدي انظلم واللي ظلمني ناسي عمومة ودين ودم، يا أمة الإسلام خلص مني الكلام لا عيني شايفة حد ولا شايفة ملام.. واللهم لا اعتراض.. رحم الله وجدي الحكيم وأسكنه فسيح جناته.