سامي النصف

أربعون عاماً من التيه!

  من حكم الخالق- عز وجل- أن جعل اليهود ممن يسمّون بـ «شعب الله المختار» يمضون 40 عاما من التيه في صحراء سيناء التي تظهر معطياتها الأرضية والجغرافية صعوبة التوهان فيها كونها محاطة شرقا ببحر «العقبة» وغربا ببحر «السويس» وجنوبا بالبحر الأحمر وشمالا بالبحر الأبيض، الا أن عقاب رب العباد جعلهم يضيعون فيما لا يضيع فيه البشر الآخرون.

***

وتنقضي هذه الأيام مدة 40 عاما على التيه الذي عاشه ويعيشه شعب الله المحتار، ونعني شعبنا الكويتي الطيب، الذي بدأ توهانه أوائل العام 1974 عندما ارتفعت بشكل جنوني مداخيل البلد نتيجة للارتفاع غير المتوقع في أسعار النفط من دولار الى 40 دولارا خلال 5 سنوات (1974 ـ 1979)، وكان الإعجاز كل الإعجاز في تلك الفترة وما بعدها أن تستطيع خلق مشكلة حقيقية واحدة في بلد صغير المساحة لا جبال ولا وديان فيه، قليل السكان، وافر الثروات، لا يعاني من الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات.. الخ، مع رقي شعبه وتعلمه وتقدمه ووجود الديموقراطيات والحريات الإعلامية فيه، الا أن ما خلق ضمنه من مشاكل إبان أعوام التيه تلك ورغم كل تلك المعطيات الموجبة يفوق مشاكل الصين والهند.. معا!

***

وقد بدأت السنوات الأربعون العجاف منذ اليوم الأول لذلك العام، فتم بذكاء شديد تسهيل عملية الحصول على الثروات المتراكمة لا عن طريق الأمانة والعمل الجاد وتعزيز مبدأ العقاب والثواب كحال كل أمم الأرض الأخرى، بل عن طريق السكوت عن التجاوزات والسرقات ومعاقبة الشريف ومكافأة المخطئ، لذا لم يمض عامان إلا وحدثت كارثة انفجار فقاعة البورصة عام 1976 التي ذهب ضحيتها- لمن

لا يذكر- بعض الشباب الكويتي الشريف الذي فقد حياته حفاظا على سمعته وسمعة عائلته عندما كانت سمعة الإنسان أغلى من الألماس وأثمن من الذهب.

وكم من مياه جرت تحت الجسور منذ ذلك اليوم!

***

وتلاحقت الأحداث منذ ذلك العام، حيث تعرض البلد بسبب الأخطاء الفادحة إلى هزات أمنية تمثلت في التفجيرات والاغتيالات وخطف الطائرات المتكرر، فأغلق البلد على نفسه الباب بالضبة والمفتاح، ما سهل غزوه عام 90 واختفى من خريطة العالم بمحض إرادته قبل أن يختفي بالاحتلال.

كما مرت الكويت إبان أعوام التيه المستمرة حتى يومنا هذا بإشكالات سياسية غير مسبوقة نتج عنها إيقاف الديموقراطية وفرض الرقابة على الصحف وجه الكويت المشرق.

وانحدر توازيا أداؤنا الاقتصادي حتى تحولنا الى بلد يعيش على النفط الناضب فقط، كما انحدر معه أداؤنا في كل مناحي الحياة الأخرى من تعليم وصحة وثقافة وفكر ورياضة ومسرح وغناء وفنون.. الخ.

***

آخر محطة: (1) قام بنو إسرائيل إبان أعوام تيههم الأربعين بعمل الأصنام وعبادتها ثم أكلها، وأعتقد أننا في أعوام الضياع الأربعين لم نكن بعيدين عن منهجية صناعة الأصنام البشرية ثم تقديسها والانتهاء بتحطيمها و… أكلها!

(2) مع انقضاء 40 عاما من التيه وصل شعب الله المختار الى حلمهم وبلغوا أرض الشهد واللبن والعسل، بينما لا توجد أي دلالات على قرب وصول شعب الله المحتار الى أرض الحلم.. أرض الميعاد..!

(3) ليس غريبا على الأحبة في دولة الإمارات قيامهم بالعمل الفني الرائع المهدى للكويت في أعيادها الوطنية، ويقوم تجمع المسار بإعداد عمل فني مماثل يقوم به مبدعون كويتيون برد التحية لدولة الإمارات الحبيبة التي لا ينسى لها الشعب الكويتي قط مواقفها التاريخية وأياديها البيضاء في نصرة الحق الكويتي عندما انقلب علينا الآخرون من دول وتنظيمات.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *