كتب أحد الزملاء الأفاضل قبل الأمس مقالا شائقا في جريدة «الراي» يستحق مناقشة محتواه، حيث رأى الزميل ان هناك مكارثية جديدة في الكويت تشن ضمنها حملة لإرهاب الناس لمجرد انتمائهم السياسي ويرفع خلالها شعار أما ان تكون معي أو تكون ضدي، مضيفا ان تولي المناصب العامة يجب ألا يكون قائما على الانتماء السياسي بل يجب ان يخضع لشرط الكفاءة والقدرة، واضيف الى ما ذكره شرط الأمانة ونظافة اليد وطهارة الذمة.
٭٭٭
ما طالب به الزميل الفاضل من رفض عودة المكارثية ومحاربة الناس على آرائهم السياسية امر مقبول جدا اذا ما طبق في اتجاهين لا اتجاه واحد، فالمعلومة التاريخية تظهر ان الحكم والحكومة لم يكونا البادئين بذلك المسار المكارثي او الكوارثي بل العكس من ذلك تماما، فقد كان رموز المعارضة في الكويت يمنحون قبل غيرهم المناصب القيادية في الدولة وأهمها منصب الوزير الذي عرض عشرات بل ومئات المرات حتى على اكبر عتاة المعارضة، فبعضهم قبل وبعضهم الاخر رفض، وما انطبق على منصب الوزير ينطبق على ما هو أقل منه حتى احتكرت لفترات طويلة من الزمن بعض القوى السياسية المعارضة المناصب القيادية في الدولة لا بسبب الكفاءة بل بسبب الانتماء.
٭٭٭
ان من ابتدأ سنة ونهج المكارثية الكوارثية في الكويت أي محاسبة الناس على آرائهم السياسية لا على كفاءتهم وأمانتهم هم للاسف بعض القيادات السياسية المعارضة التي اختصت مخالفيها بالرأي من المسؤولين بالاستجوابات الكيدية لإبعادهم وقطع أرزاقهم دون ان يثبت قط اي تجاوز منهم على الأموال العامة في وقت غضت فيه البصر عن مؤيديها من المسؤولين ممن كانت الكويت قاطبة تعلم فيه فسادهم الشديد والثراء الفاحش الذي اصابهم حتى ان بعضهم كان يتسلم الرشاوى الساخنة بشنط السفر التي تصل جهارا نهارا لمكتبه.
٭٭٭
ونزل تقصد بعض القوى السياسية المعارضة حتى لمستويات ادارية أدنى وأقل عند رفع شعار من يشاركنا آراءنا السياسية المعارضة نهدد الوزراء بالاستجواب الكيدي المعتاد والابعاد اذا لم يتعينوا دون وجه حق وكلاء ووكلاء مساعدين ومديرين.. الخ، ومن هو ضدنا نمنع ترقيته حتى لو كان اكفأ وأطهر وأقدم الموظفين، وامتد تأثير القوى السياسية المعارضة حتى لصغار الموظفين فمن هو معنا نفرض تعيينه وترقيته وهو جالس في بيته ومن هو ضدنا نضغط بشدة لقطع رزقه حتى ولو كان أفضل وأخلص العاملين.
ان اخراج العمل الوظيفي من قضية التباين السياسي كما يطالب الزميل هو قضية محقة اذا ما جعلناها طريقا ذا اتجاهين، واذا ما كانت الحكومة وكما ذكرنا قد اظهرت هذا التوجه مئات وآلاف المرات عبر المناصب التي منحت للقوى السياسية المعارضة ودون منة، فالواجب يقتضي ان نرى من المعارضة السياسية نهجا مماثلا يتمثل في عدم التعرض لمخالفيهم بالرأي بسبب آرائهم السياسية تلميحا او تصريحا، والايمان بالمبادئ الدستورية والديمقراطية القابلة بالرأي والرأي الآخر، فهل يفعلون ذلك لمصلحة الكويت؟!
٭٭٭
آخر محطة: اتى في مقال الزميل الفاضل الداعي لمحاربة المكارثية ان مخالفيه بالرأي السياسي يجب ان يكتب في جوازاتهم ان مهنتهم هي «النصب والاحتيال» وان مقاله موجه لخصمه السياسي المحامي.. يكيكي! اغتيال الشخصية وتسفيه أصحاب الآراء السياسية المخالفة.. هو للعلم جزء من المكارثية الكوارثية!