الدستور الكويتي لم يبدأ العمل به منذ قرون كحال كثير من دساتير الدول الاخرى، كما انه دستور محلي فريد تم تفصيله على مقاسنا بالكويت ولم نحضره جاهزا من دولة اخرى كي نستفيد من تفسيراتها وتعديلاتها وتجاربها معه، وعليه فليس مستغربا على الاطلاق استمرار الاشكالات المتكررة مع نصوص الدستور التي تنتهي بأزمات سياسية طاحنة كوضعنا الحالي وهو ما يحوجنا الى مرجعيات فقهية مختصة ومتجردة تفسره وتستنبط الاحكام «الاستشارية» منه قبل اللجوء للمحكمة الدستورية او ادارة الفتوى والتشريع واحكامهما وتفسيراتهما التي يجب ان تأخذ صفة الالزام.
***
وقد استفاد الدستور الكويتي سابقا من وجود الخبراء الدستوريين تحت قبة البرلمان للفصل في التو واللحظة فيما يختلف عليه حتى أخرجهم من القاعة من اعطى لنفسه صفة المرجعية في فهم وتفسير الدستور، وقد اثبتت الايام والتجارب الحية ومنها المعضلة القائمة انه ابعد ما يكون عن تلك الصفة التي نسبها لذاته، وقد قام المرحومان د.عثمان خليل وبعده د.عثمان عبدالملك بدور المرجعية الدستورية المتفق عليها من قبل الجميع والتي يتم الاستماع اليها عند الاختلاف.
***
وقد تلا مرحلة ما بعد د.عثمان عبدالملك حتى يومنا هذا فراغ دستوري كبير لم يملأه احد حيث شهدنا فتاوى دستورية فردية ما انزل الله بها من سلطان كالدعوة للتصويت حسب الاحرف الابجدية او القبول بمقترح الدائرة الواحدة، والمقترحان غير معمول بهما في الديموقراطيات الاخرى مما يدل على خطئهما الفادح، كذلك طغت على بعض الافتاءات الدستورية الاهواء الشخصية والتوجهات السياسية وهو ما افقدها الكثير من المصداقية.
***
والافتاء الدستوري كحال الافتاء الديني الصحيح والمفيد للناس لا يصدر الا من لجان ومجامع فقهية بعد ان تدرس بشكل مسهب ما يعرض عليها بالغرف المغلقة لا من الافراد، وبالمثل نرجو ان تشكل لجنة او تجمع «للافتاء الدستوري» تضم افضل العقول القانونية المختصة، تبدي الرأي الاستشاري المحترف والمتفق عليه ضمن جدرانها تجاه الاشكالات الدستورية المتكررة ويكون بالتالي عونا للقضاء الدستوري وللحكومة وللنواب وللمواطنين وللمهتمين بدلا من التشتت الحالي، وبالطبع تلك اللجنة ليست بديلا عن المحكمة الدستورية وتفسيراتها واحكامها الملزمة بل عون لها.
***
آخر محطة: 1 – طرحت ما سبق في الملتقى الاعلامي يوم الاثنين الماضي ابان الندوة التي حاضر فيها كل من د.محمد الفيلي ود.فواز الجدعي، وقد اثنت المحامية والناشطة السياسية الاخت نجلاء النقي على المقترح وتمنت الا يمر مرور الكرام وان يتم الاخذ به وتفعيله لما فيه من مصلحة للبلاد والعباد وتفكيك لكثير من الالغام السياسية المقبلة.
2 – تعميما للفائدة أنقل بتصرف من مقال الزميل حمد نايف العنزي الذي نشر في جريدة «الجريدة» صباح امس الآتي:
من سذاجات نواب الاغلبية اعتقادهم ان من يقف ضدهم لديه نقص في الولاء ويحتاج الى جرعة «وطنية» يقدمها له المتجمهرون في ساحة الارادة. ويستطرد الكاتب بالقول ان الاغلبية التي دأبت على نعت الحكومة بالفشل هي التي تخسر امامها بالقانون والدستور 10 ـ 0، فلا تجد لها وسيلة سوى الصراخ في ساحة الارادة لانها غير قادرة على مواجهتها قانونيا ودستوريا. ويختم الكاتب مقاله القيم بنقد تعصب الاغلبية الطائفي ومحاربتهم للحريات العامة وحرية النشر والاعلام ووقوفهم ضد الفن وكل اشكال الترفيه البريء.