من أهم مبادئ السلف الصالح عدم جواز الخروج أو التحريض على الحاكم الجائر خوفا من الفتن والمظالم المصاحبة لذلك الخروج، فما بالك بالتحريض أو الخروج على الحكام غير الجائرين كحال حكام الكويت ممن لم يعرف عنهم البطش وسفك دماء الأبرياء والإرهاب والارعاب؟!
***
يعلم الأحبة من أهل السلف أن المادة الثانية من الدستور لن تعدل في نهاية الأمر كونها تحتاج الى توافق ثلثي المجلس وموافقة سمو الأمير الذي لن يختلف قراره في الأعم عن قرار الراحل الكبير الشيخ جابر الأحمد رحمه الله الذي عرف بزهده وتدينه الشديد، إلا أنه وجد أن مصلحة دينه ومصلحة بلده تفرضان عليه رفض التعديل، لذا فإن في طرح تعديل المادة الثانية هذه الأيام مخالفة لرغبة ولي الأمر دون داع وتحريضا عليه عند الشباب دون مسبب ودعما للفتن التي هي أشد من القتل.
***
وقبل أن نصل لمناقشة الصادقين في دعواهم لتعديل المادة الثانية، نقول إن بعض من يدعون لذلك التعديل يبحثون عن البريق الإعلامي والتكسب الانتخابي لا غير، والبعض الآخر يجامل دون رغبة حقيقية منه في التعديل، والبعض الثالث يعلم علم اليقين أن تعديل المادة لن يغير من الواقع شيئا، ولن تحل مشاكل البطالة والإسكان والصحة والتعليم بذلك التعديل، ولن تملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا فور ذلك التعديل.
***
فمصر التي تحكم منذ عام 1980 بدستور ينص على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع لم يغير من واقعها العلماني شيئا، كما أن تطبيق أحكام الشريعة وفرض الحدود في السعودية وأفغانستان ابان حكم الطالبان وإيران والسودان لم يوقف قط جرائم القتل والفساد المالي والسرقات وتفشي المخدرات والتعدي على النساء… إلخ، بل تشير مؤشرات الفساد الدولية الى ان بعض دولنا الاسلامية المتشددة هي في اسوأ حالة بتلك المؤشرات، ولن يختلف الأمر في الكويت فيما لو تم ذلك التعديل.
***
ثم نأتي للصادقين في دعوتهم لتغيير المادة الثانية والراغبين بحق في التطبيق الكامل للشريعة الاسلامية (وإلا لماذا يطالبون بالتغيير؟) وهو أمر لم يتم منذ 1400 سنة، ونسألهم هل هم ومعهم الشعب الكويتي قاطبة مستعدون لدفع ثمن ذلك التطبيق الذي يعني الا يكون هناك فارق بين المسلم الكويتي والمسلم غير الكويتي عربيا كان أم آسيويا في حق الدخول الحر للكويت والحصول على الجنسية الكويتية حتى بعد يوم من الدخول وتساوي الرواتب والأجور ومعها فرض الجزية على غير المسلم وغيرها من استحقاقات تفرض علينا الخروج من الأمم المتحدة وإغلاق القواعد العسكرية للحلفاء ممن يحموننا من أطماع جيراننا.. المسلمين، وكم سنبقى بعد ذلك الخروج وسط التوترات المحيطة؟
***
ومن السلف الصالح الذين قال شيخهم الفاضل عبدالرحمن عبدالخالق في لقاء مطول مع جريدة الوطن في 12/1/2012 «ان على الاسلاميين في مصر وغيرها أن يتخذوا حزب العدالة التركي نموذجا في الحكم» فهل طبق الحزب التركي «القدوة» أحكام الشريعة الاسلامية في تركيا؟!
***
إلى «حدس» أو الاخوان المسلمين ممن دعا أشقاؤهم والمنضوون لحزبهم في مصر وتونس والمغرب للأخذ كذلك بالاسلام التركي المنفتح، وهو ما يتعارض بالمطلق مع طلبات تعديل المادة الثانية من الدستور ويتوافق مع وضعنا الحالي، لماذا لا يرضون لنا بما يرضونه لإخوانهم في تركيا وباقي تلك الدول؟ وهل يجوز أن يكون في الكويت ذات المليون نسمة إسلام متشدد يختلف عن الإسلام القائم في دول المليار ونصف المليار من المسلمين؟! الإجابة واضحة.
***
آخر محطة:
(1) في تعديل المادة الثانية من الدستور حكم إعدام واضح وصريح لمستقبل وبقاء الكويت وإنهاء لمشروع كويت المركز المالي البديل الوحيد لدخل النفط الناضب الذي لا تعوض كل قطرة نستخرجها منه فمن سيترك دول الخليج المنفتحة ويأتي يستثمر في بلد يفرض الجزية عليه وقد يجلده أو يقطع رأسه لأقل غلطة؟!
(2) قلنا في مقال سابق ان فوزا «مؤقتا» لتوجه ما، لا يعطى في طلب تعديلات دستوري ذات طبيعة دائمة، وهو الأمر القائم في جميع الديموقراطيات الأخرى وها هم الإسلاميون يكتسحون الانتخابات في مصر وتونس والمغرب وقبلهم تركيا دون أن يطالبوا بالتشدد وتعريض بلدانهم للمخاطر والعداء مع المجتمع الدولي فلماذا يستفرد البعض بفرض تلك التعديلات على شعبنا دون غيره؟!
(3) فاتنا في معرض شكرنا لمن كان معنا في الملتقى الإعلامي في الأردن شكر الزميل الشاب محمد بن ناجي، والذنب ذنبه «بالطبع» كونه لم يكن معنا في طائرة العودة عندما كتبنا المقال.