لا أخفي إيماني بالتطور الطبيعي للأمم (Evolution) لا بنهج الثورات (Revolution) ولا اعتقد شخصيا أن مصر الحبيبة قد استفادت قط رغم كل ما يقال من ثوراتها، فثورة عرابي عام 1882 نتج عنها احتلال مصر، وثورة الوفد عام 1919 لم تحقق الاستقلال أو أي شيء يذكر عدا تسببها في قسمة الشعب المصري إلى سعديين وعدليين، كما نتج عن ثورة 1952 القمع والتخلف وتغييب القانون وسلسلة الهزائم العسكرية وفقدان السودان، ثورة السادات في مايو 1971 نتج عنها ما سمي بانفتاح السداح المداح واغتيال قائدها ووصول نائبه حسني مبارك للحكم الذي انتهى بالثورة عليه واعتقاله.
* * *
ولا مبرر شخصيا لي على الإطلاق بالوقوف مع نظام حسني مبارك، فمصلحة مصر والشعب المصري أولى وأجدى بالنظر إليها والحفاظ عليها خاصة بعد تكشف الحقائق وما نشرته جريدة «الفجر» بتاريخ 25/7/2011 عن صورة لشيك دفعه حاكم خليجي رحمه الله بتاريخ 25/8/1990 بمبلغ 120 مليون دولار لصالح الرئيس حسني مبارك كدفعة أولى لمشاركته في حرب تحرير الكويت، أي ان وقوفه كان للمال لا للمبدأ بينما وقف الشعب المصري الأصيل والطيب مع مظلمتنا واحتضن شعبنا دون مقابل.
* * *
أحداث ماسبيرو قبل أيام لن تكون الأخيرة ما دام هناك من يروج لتكرار تجربة تدمير العراق التي تسببت فيها دعوات عزل الملايين بحجة اجتثاث حزب البعث بدلا من الاكتفاء بمحاسبة ومعاقبة القلة المجرمة داخل الحزب وخارجه، وقد رفع الآلاف في الصعيد بالأمس شعار «احذروا الصعيد إذا غضب» مهددين بالانفصال عن مصر إذا تم عزل قبائلها وعوائلها والملايين من أبنائها بحجة انتمائهم للحزب الوطني، ودعوة العزل تتبناها بعض الأحزاب الإسلامية تحديدا كي تحصد مقاعد الحزب الوطني الذي يتوقع ان يفوز بـ 30 ـ 35% من المقاعد في الانتخابات القادمة.
* * *
ومعروف ان ثورات دول أوروبا الشرقية أواخر الثمانينيات (11 دولة) لم ينتج عنها عزل أحد بل قامت على التسامح ومبدأ «عفا الله عما سلف» ورفع شعار «كلنا كنا شيوعيين في الماضي وكلنا أصبحنا إصلاحيين وديموقراطيين في الحاضر» وهو ما ساعد على سرعة استتباب الأمن ونجاح التجارب سياسيا واقتصاديا وتكالب المستثمرين والسائحين عليهم، فهل من عظة للاخوة في مصر وليبيا وحتى.. العراق؟!
* * *
آخر محطة: تظهر الاستطلاعات وآخرها استطلاع جريدة الأهرام تصدر كل من عمرو موسى وأحمد شفيق الذي لم يعلن ترشحه حتى الآن قائمة مرشحي الرئاسة المصرية بنسب تجاوزت في مجموعها 40% والاثنان من أعمدة النظام السابق، بينما لا تزيد فرص المرشحين الإسلاميين للرئاسة أمثال العوا وأبو الفتوح والهزلي أبو إسماعيل وحتى الليبرالي المعارض أيمن نور والبرادعي عن 1 ـ 2%، الأوضاع الاقتصادية السيئة وانعدام الأمن والفوضى السياسية وظهور توجهات انفصالية لدى الصعيد والنوبة وبدو سيناء وقاطني الصحراء الغربية بدأت تجعل الناس تبحث عن نظام قوي حتى ضمن «فلول» النظام السابق، وحفظ الله مصر وشعبها الأبي من كل مكروه.