بعيدا عن حفلات «الموالد» القائمة والمصفقين والمهللين والثعالب ـ وما أكثرها ـ التي ترتدي ثياب الواعظين نسأل: هل هناك رغبة حقيقية في محاربة الفساد أم ان الأمر لا يزيد عن مزايدات تتم لامتصاص غضب الناس على بعض النواب ولتحقيق أهداف سياسية وانتخابية بينما تبقى العربة سائرة وجيوب ركابها محملة بأموال فساد الداخل والخارج؟!
***
ولنبدأ بحقيقة ان الفساد يطول السلطات المختلفة بالدولة ومنها من أنيط به الرقابة ومحاربة الفساد (!)، كما يمتد الأمر للقطاع الخاص والشركات المساهمة والجمعيات التعاونية.. الخ، ضمن بلد أغنى رب العباد شعبه بحلاله عن حرامه فالخدمات مجانية أو شبه مجانية والشعب مرفه والتأمينات تتكفل بالحياة الكريمة حتى الممات وأغلب ما يسرق لا يستخدم لسد الرمق أو تعليم وطبابة النفس والأبناء بل لزيادة الأصفار في الحسابات الشخصية التي يتوفى السارق ولم يصرف منها شيئا.
***
ومن المسلّمات في محاربة الفساد ان المظاهر والأقوال لا تدل على المخابر وان ادعاء البعض التدين او الوطنية لا يعني اطلاقا عدم الفساد، فكم من الأسماء التي يتم تداولها هذه الأيام من شنف اذان ناخبيه بوعود الطهارة والعفة معتمدا على ظاهر التدين او الانتماء الوطني وكم تحت ثوب الزهد من صياد!
***
ومن الحقائق ان اللقاءات الإعلامية التي يقوم بها من يريد نفي التهم عن نفسه لا قيمة لها ولا معنى، حيث يتم الاستماع لأقوال مرسلة لا محاسبة على اي عدم دقة او زيف فيها، كما ان الحقائق ان وجدت فقد تأتي منقوصة أو غير كاملة مع غياب قدرة المستمعين أو القراء على فحص وتمحيص ما يقال.
***
وقضية مهمة جدا طرحها الزميل المختص سعود السبيعي في مقاله حول طلب بعض النواب من النيابة العامة فحص حساباتهم البنكية وثرواتهم الشخصية، حيث يذكر العزيز بوعزيز ان النيابة العامة غير مختصة بتلك الطلبات التي ليس لها قيمة أدبية أو قانونية، حيث ان اختصاص النيابة يتمحور في فحص الشكاوى التي تنطوي على اتهامات وشبهات مخالفة القانون وليس من شأنها اثبات حسن نية فلان او طهارة يد علان.
***
ومن المسلّمات ان قانوني «من أين لك هذا؟» و«الذمة المالية» ليسا كافيين على الإطلاق لمحاربة الفساد لعدة أمور أولها خلوهما من العقوبات المغلظة الرادعة لمن يكذب في تقديم بياناته، ثانيها غياب الأجهزة المختصة القادرة على متابعة الأموال في غياب النظام الضريبي ومن ثم معرفة صدق او كذب الاقرار، وثالثها عدم محاسبتهما لمن يروج للفساد الإداري في أجهزة الدولة عبر الواسطات غير المبررة والذي هو في أحيان كثيرة أخطر من الفساد المالي ولا يردعه الا وجود لجان قيم يمكن للمسؤول الحكومي ان يشتكي النائب المتجاوز عندها.
***
في الختام ان المحاربة «الحقيقية» لا «الصورية» للفساد تكمن في عدة أمور تشريعية ومجتمعية منها رفض المجتمع للفاسدين وخلق «لجان قيم» كحال جميع الديموقراطيات الأخرى لمحاسبة رجال الرقابة والتشريع من النواب ممن هم كالملح ان فسد لا طبابة بعده، ومما يظهر الرغبة بـ «الصورية» الجدية بمحاربة الفساد في الجهاز التشريعي عدم المطالبة بتلك اللجنة الهامة ومن ثم ترك الأمور يسرح ويمرح بها كثيرون ممن يقولون ما لا يفعلون.
***
آخر محطة: (1) يسهل على المواطن او الناخب ان يعرف النائب الفاسد وخاصة من يخفي فساده، عبر طرح سؤال واحد عليه وهو «هل تؤيد إنشاء لجنة قيم تحاسب الفاسدين من النواب وتسقط عضويتهم؟»، ولا ينفع الرد بأكذوبة ان الناخب هو المسؤول عن محاربة النائب الفاسد بعد أربع سنوات طوال من الفساد عبر انتخابه او عدم انتخابه، فمن يقل ذلك يحمّل الناس البسطاء ما لا يحتملون ومن ثم يشجع ضمنا الفساد النيابي الذي أزكمت رائحته الأنوف!
(2) هناك مئات الاستجوابات التي قدمت للوزراء، بالمقابل لم يحاسب قط نائب واحد خلال نصف قرن من الحياة البرلمانية على تجاوزه رغم ان الحسابات المتضخمة تخص نوابا لا وزراء فهل نحن أمام ظاهرة كويتية فريدة أخرى ملخصها ان كل وزير شيطان وكل نائب.. ملاك؟!
(3) المقال القادم.. «الاستجواب المطلق فساد مطلق»!