سامي النصف

ما يجري في السودان وتونس ومصر!

لأننا أمة لا تتعلم قط من أخطائها ولا تقرأ التاريخ أو تتعظ مما يجري فيه من أحداث، لذا وجدنا جمعا من مفكرينا يفرحون ويهللون للفوضى التي بدأت تسود شارعنا العربي، متناسين ان ثوراتنا لم ينتج عنها أمر مفيد قط، بل ولدت لنا الطغاة والاباديين الحقيقيين ممن استولوا وأفسدوا كل ثروات الأمة وليس جزءا منها حتى ترحمت الشعوب في مراحل لاحقة على من قامت الثورات ضدهم كالملك فاروق والوصي عبدالاله والملك ادريس السنوسي وغيرهم، ان حل اشكالات الامة هو بالتطور Evolution وليس بالثورة Revolution.

ما لم يقله أحد ان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لم يكن ينوي البقاء رئيسا مدى الحياة بدلالة تقديمه عام 2005 قانونا تم اقراره حول اجراءات ومخصصات تقاعد رئيس الجمهورية، ان الحقيقة الجلية تظهر ان بن علي قام في تونس العلمانية بإجراءات ضد مناوئيه المؤدلجين تقل كثيرا عما قامت به الانظمة المؤدلجة في أفغانستان وايران والسودان ضد مناوئيها العلمانيين، الا انه في المقابل لم يُدخل بلاده كحالهم في حروب تدمر اقتصادها وتجعل الدماء تجري أنهارا كحال من فرحوا بسقوطه، بل لو انه غلف وغطى نظامه بالأدلجة بدلا من العلمنة لظل باقيا حتى اليوم مهما دمّر وسرق وخرّب كحال أنظمة أخرى تدثرت بأردية كاذبة براقة فأصبحت كالجبال لا تهزها رياح الشعوب المخدوعة والمخدرة بالشعارات.

إن كانت دموع الفرح قد نزلت لدى البعض بما جرى في تونس التي كانت تحظى بأعلى معدلات نمو في المنطقة ولم يفرط نظامها المخلوع في أرضها، فالاولى ان تهطل دموع الحزن والبكاء مدرارا على ما يجري في السودان من احداث جسام انتهت بانفصال الجنوب الذي يمثل ثلث مساحته والمليء بالثروات والخيرات وكان بإمكان ذلك الجنوب (لا الشمال الصحراوي) ان يكون سلة غذاء للعالمين العربي والاسلامي وحتى الافريقي والاوروبي.

ودون تدخل في صحة أو عدم صحة المطالبات العربية بأراض ودول بكينا دما على فقدها، تظهر الارقام ان مساحة الجنوب السوداني (700 ألف كم2) الذي فقدناه هذه الايام، تفوق مساحات الاندلس (504 آلاف كم2) وفلسطين (27 ألف كم2) ولواء الاسكندرونة (4800 كم2) والجزر الاماراتية (30 كم2) اضافة الى الجنوب اللبناني ومزارع شبعا مجتمعة، وقد اتى في لقاء القيادة السودانية مع جريدة «الانتباهة» قبل يومين، الاصرار على تطبيق القوانين الشرعية بدلا من المدنية ورفض خلق دستور جديد فيما تبقى من السودان مما يمهد لانفصال بقية الاقاليم كدارفور والنيل الازرق وجبال النوبة وكوردفان وسط أهازيج وزغاريد العرب الفرحين بسقوط النظام في تونس!

آخر محطة:

(1) مصر العظيمة أكبر من المؤامرة، والكويت لا تنسى لنظامها وشعبها وقوفهم معها ابان محنتها عام 90، لذا نرجو ان تتجاوز محنتها الحالية بأقل الخسائر وتبقى القاهرة كعادتها موطنا للحكمة والتعقل وسط محيط من مشاعر الغوغائية والتثوير التي تستغل وسائل الاتصالات الحديثة لنشرها.

(2) هناك من يحاول إعادة لعبة «دومنو» تساقط الانظمة بشكل متلاحق كما حدث في السبعينيات والثمانينيات عندما تساقطت أنظمة الشاه (ثورة الكاسيت) وسوموزا وماركوس ودوفالييه وحفيظ الله أمين وعيدي أمين وضياء الحق (انفجار طائرته) والنميري.. إلخ، والايام القادمة مليئة بالأحداث الجسام.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *