سامي النصف

حقائق تحت شمس الدستور

يذكر الرئيس جيفرسون، احد الآباء الحكماء المؤسسين للولايات المتحدة، في كتاب ذكرياته ان سبب نجاحهم في خلق مشروع الوحدة الفيدرالية للدول الأميركية التي كانت العلاقة بينها أوهن من خيط العنكبوت، أنهم طلبوا من بعض النواب ان يحضر ويوافق والبعض الآخر ان يحضر ولا يعترض والبعض الثالث ان يبقى في بيته، وجميع تلك التكتيكات السياسية مقبولة في خارج الكويت وداخلها دون تخوين احد لأحد أو الطعن في وطنيته.

وعليه فإن عدم اكتمال النصاب في جلسة رفع الحصانة لا تلام عليه الحكومة التي حضرت ولا بعض النواب الذين تواجدوا في المجلس ولم يحضروا، وهو امر سبق ان استخدم من قبل نفس الجماعة المعترضة على ذلك التكتيك السياسي إبان اعتراضهم على عرض قوانين الخصخصة وغيرها، وعليه لا يمكن ان تصبح نفس الاداة حلالا محبذا عندما يستخدمها زيد وحراما مطلقا عندما يستخدمها عبيد.

في جميع بلدان العالم دون استثناء، هناك دائما أماكن لاجتماع الرجال بها مساء، تاركين المنازل لربات البيوت لتدريس الأبناء أو تحضير العشاء وغيرها من امور منزلية، وتسمى تلك الأماكن في الكويت بالدواوين وفي بلدان اخرى بالمقاهي وغيرها من المسميات، وبالطبع لا يقوم صاحب الديوانية في الكويت أو المقهى في مصر ولبنان وفرنسا.. إلخ بأخذ إذن من السلطات لذلك التجمع الاجتماعي اليومي المعتاد.

تلك الرخصة للدواوين لدينا والمقاهي وغيرها لديهم لا تعني على الاطلاق القبول بإخراجها عن مقاصدها «كاجتماعات عامة» لعدد محدود من الناس الى وضعية اخرى هي «التجمعات السياسية الحاشدة» التي تتطلب عندنا وعندهم موافقة السلطات التي تحدد لها أماكن وأوقاتا لا تخرج عنها، كما توفر لها رجال أمن يضمنون السلامة وعدم الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة ولا يسمح لتلك التجمعات بأن تخرج عن اهدافها او اوقاتها او اماكنها كي لا ينتهي الأمر بالاشتباكات التي تحدث بين المتجمهرين وقوات الأمن كما يحدث في أرقى الدول الديموقراطية.

إن الحفاظ على الدستور يعني الحفاظ على روحه ونصه وأحكام المحكمة الدستورية كحال الحكم الصادر في 9/10/2006 والذي نص على الاستجوابات، والمسؤولية السياسية تقع على «الوزراء فرادى»، وأن مساءلة رئيس الوزراء اليوم أو بعد عام او مائة عام مختصة بالسياسات العامة التي تناقش في مجلس الوزراء وهو السبب الذي جعل دستورنا يمنع وبشكل استثنائي عن الديموقراطيات الأخرى، تقلد رئيس الوزراء اعمال اي وزارة او يسمح بطرح الثقة به، ان المحذور في محاسبة الرئيس عن اعمال الوزير هو ان بعض الوزراء قد يعمدون في القادم من الايام والأعوام بالتواطؤ مع بعض اعضاء مجلس الأمة الى القيام بما يقوم به بعض الوكلاء هذه الأيام من تعمد الاخطاء وتسريبها للنواب كي يستجوبوا الوزراء الذين لا شأن لهم بها، اي قد يتعمد مستقبلا الوزراء ارتكاب الاخطاء لعلمهم بأن المحاسبة لن توجه لهم بل للرئيس.

 آخر محطة:

مع نهاية العام يكثر في العالم المتنبئون بما سيحدث في بلدانهم، وعادة ما تخطئ وتصيب تلك التنبؤات، الغريب عدم وجود كويتيين متنبئين بما سيحدث في بلدنا في العام المقبل والاعوام اللاحقة رغم سهولة ذلك التنبؤ واستحالة الخطأ فيه، فهناك ازمات سياسية متلاحقة متحركة لا تنتهي وبلد واقف تمر عليه سفن وقطارات وطائرات الجيران مسرعة الى الأمام.. وكل عام وانتم بخير.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *