لا تمنع القوانين المرعية أحدا من حضور الندوات العامة التي تعقد، إلا ان الحصافة كانت تقتضي ان يبتعد السيد محمد جويهل عن ندوة يعقدها الخصوم، فالوعي السياسي في البلد لم يصل الى حدوده الدنيا، هذا الحضور لا يبرر على الإطلاق الاعتداء الذي تعرض له والذي أوصله للعناية المركزة وتعريض حياته للخطر.
ولا يمكن تصور أو قبول وبعد نصف قرن من العمل الديموقراطي الذي من أسسه احترام الرأي والرأي الآخر واللجوء لمبدأ «اللاعنف» والحوار والاحتكام للقضاء لحل الإشكالات التي تقوم بين الناس، ان يحدث ما حدث، فمع رفضنا الذي كررناه في أكثر من مقال لطرح السيد جويهل، إلا ان الواقع يظهر بشكل جلي ان هناك الكثيرين ومنهم مرشحون وأعضاء حاليون في مجلس الأمة، لا يختلف طرحهم عن طرحه سواء في الاتجاه نفسه أو في الاتجاه المضاد.
فهل سيسمح مستقبلا بأن يتعرض من نعترض على رأيه للاعتداء على رأسه لإظهار استنكارنا لما يحتويه رأسه من أفكار؟! ان ما حدث هو نتيجة طبيعية لعمليات التحريض والتأجيج المستمرة بين شرائح المجتمع الكويتي وطوائفه التي تسمم الأجواء العامة وتؤدي الى الفتن، والواجب على أعضاء مجلس الأمة إصدار تشريع يجرم ويغرم ويسجن الداعين قولا أو عملا لـ «جرائم الكراهية» أيا كان نوعها، ولو صدر مثل ذلك القانون لمنع وأوقف على الفور كثيرا مما نراه من مساس بالوحدة الوطنية وتجريح مؤسف للآخرين دون رادع أو عقاب.
ان وشائج الود والحب والقربى التي تربط الشعب الكويتي، والتي عشنا في ظلها قرونا عدة، تمزق كل صباح ومساء بتخندقات ما أنزل الله بها من سلطان كمسميات البدو والحضر والسنة والشيعة والدماء الحمراء والدماء الزرقاء والأغنياء والفقراء والتجار والموظفين وغيرها من مصطلحات وكلمات لم تحل في بلد إلا حلت الفرقة والتناحر والخراب في ربوعه.
إننا بحاجة لعقد اجتماعي بين شرائح المجتمع الكويتي، وسياسي بين كتله لا يأتي بجديد بل يجدد ما عشنا في كنفه منذ بدء خلق كيان الدولة، ننصرف ونبتعد من خلال ذلك العقد عن تحريض الناس على الناس والتفريق بينهم واللجوء للشارع عند كل تباين في وجهات النظر، فالمتربصون بالبلد كثيرون وما نفعله بأنفسنا ـ بغفلة أو دونها ـ يفوق كثيرا ما يدبره لنا أسوأ أعدائنا، وكفى تحريضا، فقد سالت الدماء، وقانا الله شرور مثل تلك الدماء مستقبلا، فلن تسلم الجرة في كل مرة.
آخر محطة:
(1) رفضنا الاعتداء على السيد جويهل يتوازى مع رفضنا ما نسب إليه من فعل ـ ان صدقت بعض الروايات ـ فنواب الأمة هم اختيار الشعب ويستحقون الاحترام الواجب، وكان واجبا في هذا السياق ان تبادر الجهة المنظمة برد الاعتداء عليه حتى لا تتفاقم القضية.
(2) في الديموقراطيات المتقدمة، لا يعقد اجتماع عام أو تجمع شعبي إلا بعد إخطار الوزارة المعنية كي يتم توفير رجال الأمن لمنع الشغب وحماية الأرواح.
(3) نرجو ألا يكون فيما نرى ونسمع، مشاريع صناعة «لوردات حرب» تثري جيوبها وتزدهر أعمالها على حساب دماء مواطنيها وخراب أوطانها.