سامي النصف

أعداؤهم أعداؤنا.. وأعداؤنا أصدقاؤهم!

في عام 1954 عقد في مصيف «سرسنك» شمال العراق اجتماع مهم بين احد اكبر دهاة العرب ونعني السياسي المخضرم نوري السعيد وأحد اكثرهم «عبطا» وحمقا ونعني الضابط الثوري صلاح سالم الذي سلمه عبدالناصر السودان فأضاعها أسهل من اضاعة طفل رضيع لورقة نقدية في يوم عاصف، ودار بين الاثنين «حوار طرشان» حاول فيه الباشا المحنك ان يقنع الضابط المبتدئ بأن لكل دولة عربية ان تحدد طبقا لمصلحتها وموقعها والاخطار المحيطة بها من هو صديقها ومن هو عدوها، فاسرائيل قد تكون الخطر الاول على مصر آنذاك الا انها لا تمثل ذلك الخطر بالنسبة للعراق الذي لا يفصله عن الاتحاد السوفييتي الا 20 كم من الاراضي الايرانية.

وبين ابوصباح ان الخطر الشيوعي اكبر واعتى واقرب واكثر تدخلا في الشأن العراقي والعربي من الخطر الاسرائيلي الذي يمكن احتواؤه والحد من خطره عبر الانضمام لحلف بغداد الذي يضم تركيا وايران وباكستان وبريطانيا والذي لا قدرة لاسرائيل على مواجهته، وانتهى اللقاء بعد ان حاول الضابط الذي اشتهر بنوبات الصرع التي تنتابه ان يفرض منطقا عجيبا هو ان على العراق ان يعادي من يعاديه النظام الثوري في مصر في مقابل ان تصادق مصر الاتحاد السوفييتي عدو العراق الاول!

مثل ذلك المنطق العجيب والغريب غير المعمول به في اي منطقة اخرى في العالم لم ينته آنذاك بل تكرر معنا ومع دول الخليج عام 1990 عندما ارادت القيادة الفلسطينية ممثلة في ياسر عرفات ان نعادي من تعاديهم ـ اي اسرائيل ـ بتهمة احتلالها لـ «بعض» الاراضي الفلسطينية في مقابل صداقة أبوعمار الحميمة للنظام الصدامي المحتل وبقسوة اكبر لـ «كامل» الاراضي الكويتية والمهدد باحتلال 5 دول خليجية اخرى تباعا.

هذا المنطق الفريد يتكرر مرة ثالثة هذه الايام حين يسود مفهوم سياسي مضمونه ان على دولنا الخليجية ان تسخر مواردها وتظهر العداء الشديد لاسرائيل بسبب احتلالها لبعض الاراضي العربية في مقابل الصداقة الوطيدة لبعض الانظمة العربية للدول التي تحتل الاراضي الخليجية وتهدد كيانها بين حين وآخر.

ان هناك خيارين واقعيين وعادلين امام العرب: الاول ان يتم الوقوف بشكل «موحد» ضد كل من يحتل الاراضي العربية كائنا من كان حتى يحل الاشكال ولا يجوز في هذا السياق تكرار ما فعله عرفات من الطلب منا ان نعادي اعداءه في مقابل ان يصادق اعداءنا، او بالمقابل ان يعذر كل طرف منا الآخر فيحدد طبقا لمصلحة وطنه وموقعه الجغرافي ومتطلباته القطرية الاستراتيجية من هو عدوه ومن هو صديقه دون ان يفرض احدنا وبمنطق الاخ الاكبر لائحة اعدائه واصدقائه على اشقائه مما يمس بسيادتهم وكرامتهم.

آخر محطة:

 1 – انسحبت اسرائيل دون حرب من قرية الغجر، عقبال الجزر!

2 – للحقيقة وللتاريخ، لم تحاول اسرائيل قط انشاء مستوطنات في جنوب لبنان او تغيير هويتها العربية او التدخل في تسمية ابنائها او فرض اللغة العبرية على اهلها كما لم تمنع اقامة دور العبادة المختلفة على اراضيها.

3 – اسئلة تحتاج الى اجابة عنها بعقل بارد والاخطار تحيط هذه الايام بشعوبنا الخليجية من كل جانب، نطرحها للعصف الذهني وهي: هل اسرائيل عدوة للخليجيين؟! وما الذي فعلته لتبرير ذلك العداء؟ وكم من الدول الثماني المطلة على الخليج في حالة عداء «حقيقي» معها؟!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *