كانت نجومية السعودية طاغية على مشهد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي هذا العام، بحضور كتيبة من المسؤولين السعوديين الكبار المعنيين بالسياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار، عدت أكبر “كابينة” وزراء في تاريخ مشاركة السعودية في منتدى دافوس لعقود. وليس المنتدى غريبا على السعوديين على أي حال، لكن هذا العام له طابع مختلف يظهر مستوى العمل السعودي الداخلي والخارجي الذي يدور على قدم وساق. ولا سيما المنتدى فرصة كبيرة يمكن استثمارها للعمل، هو المنتدى الذي يضم سنويا نخبة الاقتصاد والسياسة والأكاديميين والباحثين والصحافيين من كل العالم. والمملكة خلية نحل من العمل والتغيير والإصلاح. وقد برز هذا الوجود الطاغي في المنتجع السويسري في صورة ندوات ولقاءات ونقاشات مكثفة أظهرها الإعلام العالمي بشكل لائق. ولا شك أن الندوات السعودية والنقاشات إحدى أقوى النقاط التي يمكن حصد كثير منها، فيما يخص المجالات المذكورة تلك بل أكثر. هذا الإقدام والجدية يعكسان ثقة الحكومة السعودية ولا شك بخططها وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية كما الاجتماعية. وهذا الأمر ينعكس على المستثمرين بالاطمئنان، حين تصل رسائله المباشرة وغير المباشرة. وقد ظهرت تعابير الاطمئنان والثقة على لسان بعض “هوامير” الاقتصاد في العالم، بوصف ذلك انعكاسا لثقة السعودية الواضحة وحضورها الجريء كما لغتها الأكثر شفافية، تلك التي ظهرت في تصريحات الوزراء اللامعين من وزير الخارجية إلى وزير الطاقة إلى وزير التجارة ووزير المالية وبقية الخلية. وفي ذلك عوائد سياسية كبرى بالمقابل.
مثل تلك التعابير التي عكست ثقة السعوديين قول لورينس فينك، رئيس أكبر صناديق التحوط في العالم “بلاك روك” خلال مشاركته “ما يحصل في السعودية ديناميكية حقيقية للتغيير، إن ما رأيته في العامين الأخيرين هو ثقة حكومة السعودية بنفسها بأنها قادرة على تنفيذ الإصلاحات، وهو ما يطمئن المستثمر”. كذلك فعل الرئيس التنفيذي لشركة “داو كيميكال” أندرو ليفريس، بإشادته بالكفاءة العالية التي يتمتع بها الشباب السعوديون، قائلا إنهم أرسلوا نحو 1000 متدرب سعودي إلى فروع مختلفة للشركة حول العالم، ونظرا للمستوى العالي من الكفاءة “أرادوا في جميع تلك الفروع الاحتفاظ بهم وعدم إعادتهم”. وليفريس صاحب التاريخ الاقتصادي الجيد مع السعودية من خلال “أرامكو”، هو أحد الذين اختارهم ترمب في “كابينته” لقيادة هيئة تعزيز التصنيع في الولايات المتحدة. كل هذا ولا شك واقع جيد الخطوات، ونأمل أن هذا التسارع الاقتصادي الجاد ينعكس على الوضع الاجتماعي الداخلي بالسرعة ذاتها لجذب الاستثمارات المطلوبة. ولا سيما وقد جاء هذا العام مع تطورات سياسية عالمية جديدة، ومتغيرات مختلفة وشائكة منها تبعات ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة ووصول دونالد ترمب رئيسا، والتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقرب موسم انتخابات أوروبا. كل ذلك والتطورات السياسية العالمية ومحفزاتها الأهم ومنها تنامي الحركات الشعبوية والتغير الفكري العالمي. حتى جاء المنتدى تحت شعار “القيادة المستجيبة والمسؤولة”.
ولأن السعودية واحدة من مجموعة دول الـ 20 الاقتصادية، فوجودها الدولي بأهميته بدهية كبرى. لذا فهذه البدهية أيضا تتطلب تماهي السعودية كدولة مهمة مع العالم الكبير باندماج وحضور أكبر وأعمق أثرا. وهذا التماهي هو مواكبة لتسارع العالم المتقدم، كما تسارع تطور ثقافة هذا العالم والتحديات الجديدة. وقد شهدنا بالفعل تطورات واضحة في المشهد الاجتماعي الأيام الأخيرة. مشاهد كانت ستبدو طبيعية على جغرافيا أخرى. لكن حلاوة التغيير والانفتاح والجدية فيه أعطت انتعاشا كبيرا للمجتمع. هذا الانتعاش ينعكس بطبيعة الحال على الحركة الاقتصادية وجاذبيتها في الداخل والخارج من خلال سياسة الاقتصاد المفتوح، كما الوضع السياسي بالنسبة للعالم الذي يراقب هذا التغيير ليجده يتحول إلى حقيقة مثيرة. ولا شك أن إدارة مشروع تحول معقد ومركب أمام الحالة السعودية الفريدة يتطلب توازنا وحزما وتسارعا فريدا أيضا. ويبقى المأمول كبيرا للمزيد الذي ينبغي أن يليق ببلد مهم وحيوي كالمملكة.