لم تحمل اي افتتاحية لـ القبس قط ذلك الكم من الحزن والحسرة على وضع البلد ما حملته افتتاحية يوم الخميس الماضي، التي تعلق موضوعها بالطامة الكبرى، التي تمثلت في تحول الكويت، الدرة الجميلة والواحة الديموقراطية ودولة المؤسسات، الى أكثر دول الخليج فسادا، بعد ان انحدرت 20 درجة في سنة واحدة، وهو الأداء الأكثر سوءا بين دول العالم الأخرى خلال عام 2016، في مقياس منظمة الشفافية العالمية.
بإمكاني الادعاء، مع شيء من التحفظ، بعد نصف قرن من العمل الوظيفي والتجاري الحر، بمعرفتي بمدى تغلغل واستشراء وحش الفساد في الجسد الحكومي. فليس هناك مؤسسة أو هيئة او وزارة حكومية لم اتعامل معها، وليس بإمكاني استثناء أي منها من الفساد، وإن بدرجات متفاوتة. وما يحزنني هو الأسى الذي اشعر به عند الاتصال بأصحاب الضمائر الحية من كبار الموظفين في تلك الجهات الحكومية، الذين ألجأ اليهم عادة، هربا من مطالبة برشوة أو لحل وضع معقد، غير مبرر لا قانونيا ولا إنسانيا، واستمع الى شكواهم وغضبهم بسبب قلة حيلتهم، وعجزهم عن وقف العبث والخراب، والأصعب من ذلك مقاومة كم الإغراءات التي يتعرضون اليها، رافضين، ربما إلى حين، الانجرار وراء فرص الإثراء السريع، خاصة وهم يرون «اللهط» الذي يقوم به زملاؤهم مما تيسر من اموال الدولة وما في جيوب المراجعين.
غريب أو مؤسف جدا، أن نجد أن المؤسسات الدولية المحترمة ترى أن دولا ليس لديها ما تمتلكه الكويت، أو ما تدعي تملكه من مؤسسات رقابية وحياة نيابية عريقة نسبيا، هي أفضل بكثير منها في مؤشرات الفساد، واقل منها بمظاهر التدين، والتي تمثلت مؤخرا في قرار مجلس الوزراء إنشاء وتجهيز 12 مركزا للتحفيظ، في الوقت الذي نشكو فيه من كل هذا التدهور الأخلاقي.
الأمل الوحيد، أو الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل، للبدء في عملية احتواء الفساد والتقليل من شروره، ربما تتمثل في المحاولة الجريئة وغير المسبوقة للنائب رياض العدساني، الذي أعلن عن نيته كشف أسماء جميع النواب الـ13 الذين يشاع أنهم «قبضوا» 35 مليون دينار، فيما يعرف بقضية «الإيداعات المليونية»، التي كان لـ القبس شرف السبق في الكشف عنها. فإن نجح في «بط الجربة»، أو الدمل، بدأت الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، وإن منع من ذلك، فلا طبنا ولا غدا الشر، وسنجد انفسنا وقد انحدرنا أكثر في مؤشر الشفافية في السنوات القادمة.
ملاحظة:
قام سمو رئيس مجلس الوزراء، مشكورا، بتسليم إقرار بذمته المالية لرئيس هيئة مكافحة الفساد، في «مكتب سموه». وهنا نهيب بسمو الرئيس حث وزرائه على الاقتداء به، وتسليم إقراراتهم شخصيا، ولكن في مكتب الهيئة، وفق ما ينص عليه قانون إنشائها.