هناك أمور أساسية في أي بقعة في العالم تجعلها صالحة للعيش والبقاء الدائم فيها، ولا أتحدث عن بقعة برية أو جبلية أو شاطئية يرتادها الناس لعدة أيام قبل العودة لأماكن عيشهم الدائم، بل عن مدن يقطنها الناس وقد يقضون فيها جل حياتهم.
طيب ما تلك الأمور الأساسية في الكويت مثلا؟
– موارد مياه الشرب والغسيل والطعام سواء كانت تلك الموارد من بقعة الأرض نفسها أو مستوردة من الخارج.
– مأوى ومساكن تتناسب مع طبيعة الأجواء الكويتية.
– مواقع تعنى بالصحة بطاقمها الطبي والتمريضي ومعداتها ومشغليها.
– طرق معبدة وجسور تستوعب الناس وتسهل إجراءات التنقل لقاطني البلد.- توافر الطاقة الكهربائية التي يعتمد عليها الإنسان بشكل أساسي اليوم في العالم كله.
– مصادر دخل تتيح للناس كسب عيشهم.
– متاجر ومحال لاقتناء الاحتياجات الأساسية كالطعام والملابس وغيرها من مستلزمات ضرورية.
سأكتفي بهذا القدر من المقومات الأساسية دون التطرق لا لتعليم أو ترفيه أو غيرها من أمور مكملة للحياة في أي بقعة من الأرض. بالنسبة إلى المياه فوزارة الكهرباء والماء تقوم بتوفيرها لنا بسواعد كويتية وأجنبية تقوم بإنتاج كميات عالية من المياه تغطي احتياجاتنا. أما بالنسبة إلى الطعام فنحن نستورده بالغالب من الخارج، وحتى ما ينتج في الكويت من خضروات أو يتطلب رعاية للمواشي والدواجن وصيد الأسماك فيقوم بغالبه على الأيدي العاملة الأجنبية التي تزرع أو ترعى أو تصطاد الأسماك. في حين أن المساكن والبيوت والعمارات يصممها في أحيان كثيرة الكويتيون وينفذها ويحولها إلى واقع عمال ومقاولون وافدون يقومون بالبناء. وهي الحال كذلك مع الطرق والجسور والمنشآت العامة من مستشفيات ومقار عمل.
أما بالنسبة إلى الطبابة والتمريض فيساهم فيه الكويتيون سويا مع غالبية عظمى من الأجانب خصوصا في قطاع التمريض وصيانة المعدات ونظافة المنشآت الصحية.
والحال نفسها مع المتاجر والمحال التي نقتني منها مستلزماتنا الأساسية، فالمشغل الأساسي لتلك الأماكن هم وافدون يساهمون في توفير العيش الكريم مقابل أجر يتقاضونه وأحيانا لا يتقاضونه، وهو الأمر مع كل كويتي يعمل في تلك القطاعات، فهو يتقاضى أجرا نظير عمله وأحيانا نظير لا عمل.
بمعنى أوضح بأن أسس الحياة في الكويت يحركها بشكل أساسي ناس غير كويتيين ومن مختلف الجنسيات، ومن الصعب، إن لم يكن مستحيلا، إحلال كثير من أعمالهم بمواطنين لأسباب عدة أهمها؛ ترفّع الكويتيين عن كثير من تلك الأعمال الشاقة أحيانا أو الحرفية أو التي يعتقد كثير من الكويتيين أنها دون مستواهم.
نعم نجح الكويتيون في وقت الشدة في القيام بكثير من تلك الأعمال دون الاستعانة بالأجانب، ولكن ذلك الوقت كان بمثابة الاستثناء لا القاعدة المقبول العيش على أساسها.
ورغم هذا الواقع الصريح بالاعتماد الكبير على الأجانب في الكويت فإن كثيراً منا يتعمد “تطفيش” الوافدين، فهم سبب الازدحام وهم يشاركون في حصد الخيرات وهم سبب تردي الوضع!!
لنتفكر بالأمر قليلا ولنستوعب أن التغيير السلبي الذي صنعناه بأنفسنا منذ بداية تصدير النفط وإبعاد المواطن عن المهن الحرفية واليدوية والشاقة لا يمكن أن نغيره بشخطة قلم، أو بعبارات قد تكون جذابة للبعض، فالواقع لا تغيره مجرد عبارات، والإحلال يتطلب أولا ثقافة تعيدنا لتقبل كل أشكال العمل دون النظر بتعالٍ إلى مهنة معينة، حينها فقط يجدر الحديث عن التركيبة السكانية بشكل مستحق ومنطقي وواقعي.