حدثنا الدليع طبلون بن طارة الطرطور عن أعجب ما رآه في سيرة المواطن دايخ بن صفعة المسطور، فقال: ينام ويصحو وهو يشكو ولا يحمد الله على النعمة… كثير الشكوى يجأر بالويل والثبور في بلج الضوء أو في العتمة… وذات يوم بينما هو في شغله الشاغل… سمع الكثير الكثير من القيل والقائل… فهذا يندب حظه من ضياع وظيفة، وهذا يبكي لكساد تجارته والمداخيل الضعيفة، وثالث يظن بأن الخير آتٍ والزيادات والترقيات والخيرات كالنسمة اللطيفة… لكن الجميع انسدح… وشربوا من مر العلقم أشد قدح… فصاح صائحهم… يا ويلتاه ما عساني فاعل… من شدة القروض والإيجار والأسعار والهوائل، وآخر أصابه من شدة الحزن (أم الديفان)… وجاره تاه معه ركضاً على القضقاض والسيبان.
وما أن أصبح صباح اليوم التالي، وإذا بالناس تشتم الدليع طبلون بن طارة الطرطور ولا تبالي… فلا هو الذي صدق وأحسن النوايا… وهو الذي (فخفخ بطنه) بالشيكات والأراضي والعطايا… فهو بلا شعور… وقوله فجور… فجاءه المواطن، دايخ بن صفعة غاضباً من شدة الهم يثور وقال له: «ما تستحي يا أسود الوجه وأنت تعلم… أن الناس تعيش من شدة الغموم كمداً وغم… فأنت هامور كبير جيبك منفوخ.. لا تعرف الديون وحال ذاك المعدم (المجروخ)… فاصمت وضع لسانك في حلقك الفسيح… واترك لكل من أراد القول والتنفيس والشكاية… لأن يخرج ما في صدره لعله يهدأ ويستريح».
وبين كل من حضر… من مسلمين… كفرة… وسنة وشيعة وبدو وحضر… حتى كومار بن ساتيش رافق جيرانه: شفيق والكسندر وجيم وأكبر ظفر… وكلهم حضر… حتى يروا دايخ بن صفعة وهو يشرح الأحوال والأوضاع والآمال… فأخرج من جيبه شدة أوراق كأنها – كما وصف مبالغاً – تحملها الخيول والجمال… فهاهنا قرض حسن وهاهنا سلفة خاله حسن وهاهنا علاج من غاب بعيداً حظه الحسن… وبين أخرى ورقة… تخالها ممزقة… يجمع فيها – كونه المسئول – جمعية الأهل فكل شهر ينبغي أن تذهب الدنانير… لواحد من أهله في الحد أو المعامير… وهاهنا دفتره الصغير… في جيبه يرافقه على الدوام… فيه السلف من كريديت وبضعة كيلوات من طماطم وكزبرة وجحة وربطة البربير… ثم بكا… فالراتب الذي يطير دائماً في هجرة شهرية… يعود بعد عشرة وعشرة وعشرة… في دورة عكسية… وحال بدء الرفرفة… تصفق تلك الأجنحة… 50 ديناراً هنا سلف… ستون ديناراً هنا سلف… تسعون ديناراً هنا لموتر ما خلصت أقساطه لكنه تلف… سبعون ديناراً هنا قسط وأي قرض… من صغره يرافقه… يجدده… يحدده… يتوب عنه ثم بعد توبة يعود… يمجده… بالمدح والثناء فهو المنقذ العتيد…
وبعد لحظة مضت… جاءت إليه امرأة عجوز… قالت له يا ولدي… هون عليك… فالطريق سالك طويل… صدق ولا تصدق… ستملأ الوعود بالرفاه والبنين جيبك العليل… وكل يوم سترى راتبك المسكين يستجدي ويستغيث… وعز من مغيث… فلا زيادة أتت ولا ترقية أراحت قلبك وهمك الثقيل..عليك نحت الصخر كي تعيش… ليس لك بديل… الرازق الله سيضمن لقمتك… لا يأس يا دايخ يا مسطور… وأيضاً… ليس لديك من (سواة) إلا بأكل التمر (بالنواة)… لا تحلمون يا الربع بروبيانة الجامبو.. وإن (نشف) ضعوا مزيداً من مياه البلبلة.. في غرشة الشامبو.