لماذا ينجح البعض في الحياة ويفشل آخرون؟ ما النجاح في الحياة؟ هل تحقيق الثراء المادي هو معيار النجاح؟ أم الوصول لمنصب سياسي او اجتماعي مهم؟ أم أن النجاح يُقاس بتكوين عائلة والعيش بسلام؟ أو تحقيق شهرة فنية أو أدبية مثلا؟
ليست هناك إجابة مثالية متفق عليها، فتجاربنا وخبراتنا وتأثيرات البيئة علينا وثقافتنا ودرجة تعليمنا تؤثر جميعها عادة في قراراتنا.
ولكن نعود للسؤال الأول: لماذا ينجح البعض وتفشل الغالبية؟! او هكذا يبدو الأمر لنا.
يعتقد الكثيرون أن النجاح يتطلب شيئاً من الحظ، وشيئاً من الذكاء وشيئاً من العمل. لكن الواقع لا يقول ذلك، فالحظ مسألة لا علاقة لها بالنجاح في الحياة، وثبت ذلك علمياً، وسبق أن تطرقنا لهذا الموضوع في مقال سابق.
أما الذكاء فلا يعني الكثير دون عمل جاد ومثابرة. فما فائدة الذكاء الحاد مثلا لو جلس الذكي في بيته دون ان يقوم بعمل ما؟ سيموت من الجوع حتماً. وما الذي سيجنيه من ذكائه مثلاً لو اعطي كمبيوتر، وطلب منه التوصل لنتائج معينة، والحصول على مكافأة قيمة؟ هنا سيحتاج لأن يحرك نفسه، ويسهر ويتعب ليصل لنتيجة ما.
وبالتالي يتبقى لنا العمل. وهنا يقول الخبراء إن العمل الجاد هو الذي خلق افضل اللاعبين والممثلين ورجال الأعمال، وليس الذكاء، وأدلة ذلك اكثر من ان تحصى. ويمكنني القول من تجربتي الشخصية، على افتراض أنني شخص ناجح، انني لم أكن يوما ذكياً، بل كانت درجاتي الدراسية «على الحافة» غالباً، وكنت أنجح سنة وراء أخرى بالكاد. وكان الأذكياء أو المميزون دراسياً في فصلي معروفين، ويشار إليهم بالبنان. لكنني اليوم عندما اقارن نفسي بغالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، أجد أنني حققت نجاحاً أكبر، على الرغم من ان مستواي وذكائي الدراسيين كانا متواضعين جدا، مقارنة بهم.
وتأكيداً لنظرية أفضلية العمل على الذكاء، أنني عندما تركت الدارسة والتحقت بالعمل في أحد المصارف، هنا رفض والدي قراري وقال إنني سأفشل، لكنني تحديت وثابرت والتحقت بالدراسة المسائية وخلال سنة أسست شركة بسيطة واصبحت، على مدى السنوات السبع التالية، أقوم بثلاث مهام في وقت واحد، القيام بعملي المصرفي، دراستي المسائية التي انهيت فيها الثانوية والجامعة تاليا، وعملي التجاري، وبالتالي اختزلت أكثر من 20 سنة في ثماني سنوات، في الوقت الذي اختار فيه «الأذكياء» من اصدقائي الركون لذكائهم والسفر وشم الهواء والجلوس على شاطئ الخليج و«طق الحنك، والهذرة»!
يقول توماس ستانلي Thomas Stanly في كتابه الأكثر مبيعاً The Millionaire next door، بأنه درس حياة مئات الأثرياء، فوجد أن معظمهم لم يحصلوا على درجات عالية في المدرسة، وأن الجميع توقع لهم الفشل، لكن اليوم يعمل لديهم، وتحت امرتهم، الكثير من معاصريهم من الاذكياء، من حملة أعلى الشهادات العلمية، وأن سبب نجاحهم جميعاً تقريباً كان العمل الشاق والمثابرة وليس الذكاء.
وبالتالي ليس مهماً ان نكون اذكياء أو غير ذلك، بل المهم أن تكون لدينا الرغبة والقدرة على العمل، وهذا سيؤدي بالتالي حتما لنجاحنا في الحياة.