تصنف الشرطة الأمريكية ولا سيما شرطة نيويورك ولوس أنجلوس ضمن قائمة أفضل الشرط في العالم. وعلى القائمة أيضا الشرطة اليابانية والبريطانية والفرنسية والصينية والكندية وغيرهم. كيف يتم التصنيف؟ بطبيعة الحال بحسب كثافة التدريب والأداء والجهود والمعايير الأمنية المتبعة كما الانضباط وتراجع الفساد في الجهاز. وقد تعرضت السمعة الأمريكية إلى بعض التراجع حين عجت وسائل الإعلام الأمريكية كما العالمية أخيرا بأخبار غير لائقة للشرطة في تعاملها مع بعض القضايا. لذا فقد هرع إلى فلسفة الوضع وإيجاد حلول له كثير من الأكاديميين الأمريكيين كما مختصو التدريب. وكان السبب الذي خلص بعضهم إليه هو نظرة ضباط الشرطة إلى وظيفتهم بصفتهم محاربين warriors أكثر من كونهم حراسا (للديمقراطية والقيم) guardians. لذا فقد اقترح المنظّرون تهدئة الجانب الطاغي في المواجهة والقتال، وتعلية الجانب المنطفئ في جزئية الحماية وحراسة الوطن وقيمه.
ولطالما كان تمازج جوانب المواجهة (القتال مع الحراسة والحماية) لافتا في أداء الأمن السعودي بجميع أفرعه، وهي قيم تعلو مع علو الإيمان الراسخ بالمهمة والانتماء والولاء والقسم للوطن، ممزوجة بشهامة وأخلاق وقيم عرب الجزيرة الضاربة جذورها عميقا. وخلال الأعوام الأخيرة، ومع تصاعد الإرهاب في المنطقة والعالم، برزت نجومية الأمن السعودي بصورة طاغية، تعيد إلى الأذهان تصنيفات الأداء المتقدمة تلك وتنافسها ببراعة. لذا فقد تناول الإعلام العالمي مرات عدة وبإنصاف أداء قوات الأمن السعودي مع الإرهاب وكذلك مع مشاهد التدريب سلفا بانبهار واضح، تراهم وهم يطيرون في الهواء على مسافات أمتار ويتساقطون ببسالة وحرفية وقوة على الهدف. هم، قوات الأمن، الذين تدربوا بكثافة محليا وعالميا على مختلف الأصعدة التي تتعلق بالأمن.
وقد شُغِلنا قبل أيام بعملية مواجهة إرهابية بين قوات الطوارئ السعودية واثتين من أشد المطلوبين خطرا، في حي الياسمين في الرياض. التصدي للعمليات الإرهابية فعل غير جديد بالنسبة للأمن ولا سيما طوال العقد الأخير بل أكثر. لكن الانشغال لم يكن بالعملية الإرهابية بقدر الانشغال والانبهار بالأداء الشجاع لقوات الأمن وعلى رأسهم البطل جبران عواجي، وهو الذي كان بطلا حقيقيا في مشهد واقعي مع زميله البطل نادر الشراري. إنها مواجهة مقدامة أمام إرهابيين مدججين بأحزمة ناسفة وقنابل ورشاشات يمكن أن تنفجر في أي لحظة خلال العملية وقد تودي بهما سريعا في حي سكني. حين يتحول مشهد مواجهة الإرهاب إلى دراما رفيعة تباري المشاهد الهوليودية، وحين يتحول الحدث المهم إلى هامشي أمام مشهد البطولة والأداء والتحكم ومواجهة الموت بإقدام، وحين يصبح الإرهابيون مثل فئران أمام قوة ضاربة، فأنت ولا شك على موعد مع قوات الأمن السعودية بجميع أفرعها. ما وثقته الكاميرا من بسالة العواجي والشراري مصادفة، لا شك مثال لكثير من المشاهد البطولية التي غابت عن أعيننا من بسالة شجعاننا، فيما نحن مشغولون بروتين يومياتنا بأمن وسلام. وقد نسمع عن حدث في مملكتنا المترامية الأطراف ونسأل عن موقعه بانزعاج، دون رؤية تفاصيل المهمة التي يقوم بها حراس هذا الوطن.
على مستوى المعالجة الأمنية، لطالما تصدى رجال الأمن لأعمال الإرهاب، ونجحوا نجاحا مشهودا في الضربات الاستباقية وإفشال آلاف العمليات الإرهابية مقابل أرقام صغيرة نسبيا نفذ فيها الإرهاب إلى ساحة المملكة. كما نجحوا في اختراق الدائرة الثانية للإرهابيين من المتعاطفين والممولين للإرهاب، الذين لا يقلون خطورة عن المنفذين أنفسهم. المملكة تعيش تحديات بعضها أمنية كمواجهة الإرهاب، وتحدي تحرير اليمن على الحد الجنوبي كما حماية الحدود كافة، لكننا نعيش مطمئنين مع قوات عظيمة وشجاعة، لا تكاد تشعر معها بأي تغييرات على المستوى الأمني في حياتنا.
أمن المملكة كدولة قيادية من أمن المنطقة، وأمن المنطقة من أمن العالم. وحين نقول شكرا لقوات الأمن بقيادة ولي العهد وزير الداخلية صمام الأمان محمد بن نايف، فإن هذا أقل فعل يمكن التعبير به أمام كل ما يقدم لهذا الوطن، مشفوعا بمشاعر عميقة من الفخر والاعتزاز.