كانت فيلكا تزود الكويت بكثير من حاجتها من الخضروات. كما كانت يوما تجذب المهتمين بالتنقيب عن الآثار، وكان الدنماركيون أول من فكر، عام 1958، في إجراء حفريات للكشف عن الآثار فيها، ويقال ان ذلك تم بدعم مالي من شركة كارلزبرغ Carlesberg، صاحبة العلامة الأشهر عالميا في صناعة البيرة، يوم كنا أكثر انفتاحا، وليبرالية.
كما كانت فيلكا، وحتى ما قبل التحرير، سكنا لبضعة آلاف من المواطنين. وكان الشيخ الكبير والجليل عبدالله السالم يرتاح للإقامة فيها، وهناك متحف بسيط، يحتاج الى الكثير من العناية، يحمل اسمه.
كما كانت فيلكا استراحة ومقصداً للكثير من الأسر لقضاء عطلة نهاية اسبوع جميلة، ولكن كل هذه الأمور اختفت أو كادت. فقد رحلت الحكومة أهالي الجزيرة منها بعد التحرير، بعد استملاك عقاراتهم، ونال الجزيرة منذ ربع قرن إهمال حكومي غريب نتج عنه تهدم كل مبانيها ومنشآتها السياحية. كما توقفت الزراعة فيها كليا، وتهالك ميناؤها القديم، واصبح بحاجة ماسة الى الصيانة والتعميق. وانخفض عدد السكان لبضع عشرات، بعد ان كانوا بالآلاف. ولولا وجود هؤلاء العشرات، وما تتطلبه منشآت الدولة الخاصة بالآثار أو البث الإذاعي والتلفزيوني من رعاية بسيطة، لكانت الجزيرة شبه ميتة، وهي الآن في النزع الأخير، خاصة انها تشكو من نقص كبير في الكهرباء، ومن يسكنها يضطر أحيانا الى نقل الديزل لمولد الكهرباء.
ما رأيته كان مسرحية شكسبيرية من مسرحيات سليمان البسام، التي تختلط فيها الدموع بالابتسامات، والخيانة بالوفاء، والموت بالبقاء، فقد كان المنظر العام محزنا ومؤلما، فكيف سمحنا لأنفسنا بأن يصل حال أجمل جزرنا لما وصل اليه من دمار وبشاعة وتخريب وإهمال؟ لست أدري، أو ربما أدري ولكن في الفم ماء.
إن الكويت صغيرة جدا بمساحتها، وهي صاحبة الأرض السكنية الأغلى في العالم، فكيف اهملنا، على مدى نصف قرن، وبإصرار غريب، تطوير وتجميل والاهتمام بأغلى وأجمل قطعة من أرض الوطن؟ هذا سؤال المليار!
وحيث اننا انتظرنا أربعين عاما لنطور محطات تعبئة الوقود، فكم سنحتاج الى تطوير الجزيرة الوحيدة لدينا القابلة للسكن، مئة عام مثلا، لا بأس، ولكن لماذا لا نبدأ الآن؟
بالمناسبة، أين ذهبت خطط المجلس الأعلى للتخطيط المتعلقة بتطوير الجزيرة، وجعلها قبلة سياحية؟