لم تكن الارادة الشعبية السورية التي انطلقت في شوارع درعا ودمشق (أسوة بالثورات العربية)، تريد أكثر من تعديل هذا الجزء أو ذاك من النظام السياسي السوري، ولم يكن كل النظام السوري مع الحل الأمني في التعامل مع تظاهرات الشبان والشابات. لكن طرفا أساسيا في النظام السوري حمل قيما مدمرة مستمدة من أسوأ ما يمكن أن يحتويه الاستبداد تجاه كل حراك شعبي وتعبير، وقد جسد رئيس النظام الأسد ذلك الجانب الأكثر ظلامية من مكونات النظام في سوريا.
كان رد الأسد في خطابه الأول في اواخر مارس 2011 مرآة عاكسة لمدى ضعف استيعابه لمضامين بدايات الثورة بصورتها السلمية. لقد بدأت الكارثة السورية مع سوء إدارة وسوء نية النظام لما وقع بعد اشتعال الثورة. ولو لم تتم تصفية خلية الأزمة المكونة من آصف شوكت والقادة الأمنيين والذين عرف عنهم عدم تقبل الحل الأمني في المراحل الأولى للثورة السورية لتم التوصل لحل في سوريا قبل تدخل القوى الخارجية أكانت عربية وإقليمية أو دولية.
لو عدنا للحظة 2011 فالسؤال الأهم: لماذا لم ترتجف أيدي النظام كما ارتجفت في أنظمة أخرى كالمصري والتونسي والمغربي مثلا عند اطلاق الرصاص على شعبه السوري من المتظاهرين السلميين؟ ففي المغرب ثار الشعب، لكن النظام رد من خلال سياسة استيعاب الحراك عبر إصلاحات. وفي مصر ثار الشعب وغير الرئيس، لكن الجيش لم يدمر القاهرة والمدن المصرية رغم تجاوزاته؟ في هذا يتضح الفارق بين النظام السوري وعدد من الأنظمة العربية الأخرى التي لا تقل تسلطية وديكتاتورية. فباستثناء القذافي، تحكمت حسابات السياسة والاقتصاد والمستقبل والوضع الدولي والسيادة بقرارات الأنظمة. لنتذكر أن جيوش تلك البلدان، بحكم عقيدتها الوطنية، تجد صعوبة في تحدي إجماع شعبي.
لقد سعى النظام السوري، منذ الأيام الأولى للثورة، لتصفية كل الشبان والنشطاء السوريين السلميين (وعددهم بالآلاف) ممن قادوا الموجه الأولى من الثورة السورية، وهذا فتح الباب بدوره للصف الثاني من النشطاء. لكن ذلك المشهد الذي تطور في شهور الثورة الأولى فتح المجال للعنف المسلح. إن تكتيك النظام السوري اعتمد على خطط مرعبة، فقد أطلق سراح الجماعات الإسلامية الموجودة في سجونه منذ زمن الاحتلال الأميركي للعراق مما فتح الباب لعسكرة ثم لأسلمة الثورة. فمخابراته كانت تعلم بأن المجموعات الجهادية التي يطلق سراحها ستتبوأ مراكز قيادية في الثورة السورية وستحصل على التمويل والسلاح من ممولين عرب من ذات المدرسة السلفية الجهادية ممن يشاطرونها الفكر والتوجه. كان النظام يلعب لوحده بمصير سوريا ويمارس فتكا غير مسبوق مع متظاهرين سلميين، وكانت النتيجة انه أخرج القضية السورية من يده كما أخرجها من يد الشعب السوري وذلك من خلال استدعائه لحزب الله وإيران، وفيما بعد روسيا.
لقد سقطت حلب في اواخر 2016، لكن ذلك يسجل كإنجاز روسي، وفي جانب منه إيراني، وقد ذهب لحلب قاسم سليماني محتفلا بينما رئيس النظام الاسد اكتفى بالتصريح عن انتصاره في حلب. ماذا جنى الاسد، فسوريا لن تكون سوريا التي ورثها من الرئيس الأسبق حافظ الأسد، فبعد مقتل ما يقارب 400 ألف سوري وجرح أكثر من مليون ونصف، وتشريد نصف السكان، وتكلفة للحرب بمئات المليارات، وسقوط الاقتصاد مع بطالة تصل لخمسين بالمائة، وبعد سنوات من عدم قدرة اطفال سوريا على الذهاب للمدارس لن تصل الأزمة السورية لحل في المدى القريب والمتوسط. في سوريا الآن صوملة وبلقنة في ظل حقوق ضائعة ولجوء وتهجير ودمار وآلام، وفي سوريا سيطرة لروسيا وإيران وحزب الله إضافة لانتشار عشرات الآلاف من المقاتلين السوريين من المعارضة في كل سوريا. ما وقع في سوريا هزيمة للنظام، فمن يضطر لمحاربة شعبه وهدم مدنه وتهجير مواطنيه واستدعاء الشرق والغرب لنصرته ضد شعبه فشل في واحدة من أهم وظائف الدولة. إن فصول الثورة السورية مازالت دون الاكتمال.