في استقصاء بلاستيكي بارد باهت، لا ملامح له ولا ملح فيه، أجرته شبكة CNN العربية مع متابعيها العرب، شاهدنا كيف استخدمت وسيلة إعلام كبرى، بحجم الشبكة المذكورة، “أسلوب السفراء العرب” في الثناء على كل شيء، فأصابتنا بـ”القرف” المصفى.
وقبل أن أنقل ما جاء في الاستقصاء البارد، سأوضح أسلوب السفراء العرب وطريقتهم في التصريح، إذ يبدو أن للسفراء العرب “كليشة” يجب أن يحفظوها عن ظهر قلب، ويرددوها كل يوم سبع مرات إحداها بالتراب؛ “العلاقات بين البلدين متينة ووطيدة”، “العلاقات متميزة وجذورها ضاربة في العمق”، “العلاقات تأكل أصابعك وراها”… تصريحات باردة مكرورة يرددها السفراء العرب في كل وقت وفي كل حدث.
الأمر ذاته تكرر في استقصاء CNN عندما سألت متابعيها عن “الفكرة النمطية عن كل شعب”، فجاءت التعليقات المزخرفة كالتالي:
* لبنان: حب الحياة والسهر والرقص في عز الأزمات!
*مصر: خفة الدم والتوق إلى التفوق الأكاديمي!
*الأردن: حس وطني كبير وشغف بطبق المنسف الشهير!
*العراق: العاطفة والحنان، مع بعض الغيرة والعصبية.
*السعودية: المحافظة على العادات والتقاليد، وخفة الدم والكوميديا.
*الجزائر: التأثر بالثقافة الفرنسية مع الحفاظ والتمسك بالعادات العربية.
*الإمارات: الاعتزاز بالوطن، واحترام الضيوف من البلدان الأخرى، وحبهم للرفاهية والأناقة.
وهكذا تمكنت شبكة CNN من سؤال أم العريس عن صفات ابنها فحصلت على الإجابة. ولمن يسألني: ماذا كنت تتوقع من الاستقصاء؟ أو ما هي الطريقة التي كان يجب على هذه الشبكة عملها لتحصل على إجابات صادقة؟ أقول: هناك مليون طريقة وطريقة، نعرفها كلنا، ليس من بينها سؤال الشعب نفسه عن صفاته، واختيار الإجابات “الوردية” من بين كل الإجابات.
إحدى أبسط الطرق هي السؤال عن مميزات وعيوب كل شعب، وألا يكون السؤال موجهاً إلى الشعب نفسه، بل إلى الشعوب الأخرى، فتسأل السعودي، على سبيل المثال، عن رأيه في الشعب المصري، وتسأل العراقي عن رأيه في الإماراتي، وتسأل المصري عن رأيه في الأردني، وهكذا. أما الاستقصاءات البلاستيكية والإجابات الوردية فقد توفيت ودُفنت مع صحف القرن التاسع عشر.