خطاب وزير الخارجية الأميركي الطويل يوم 28 ديسمبر 2016 الذي ركز على سياسات إسرائيل الاستيطانية المدمرة لحل الدولتين يعكس مأزق العلاقة الاسرائيلية الاميركية الراهنة والمستقبلية. جاء خطاب وزير الخارجية الاميركية، كما قالت افتتاحية الغارديان منذ أيام، متأخرا، لكنه ضروري في مرحلة مفصلية. ويحاكي الخطاب قيام إدارة اوباما بتمرير قرار مجلس الأمن ضد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. إن تصفيق دول مجلس الأمن بعد القرار يؤكد الضيق الدولي من السياسة الإسرائيلية كما والخوف من نهاية حل الدولتين.
في المقابل فإن ردود الفعل الإسرائيلية المعادية بإصرار لأوباما بالإضافة لردود فعل الديمقراطيين وأعضاء من قادة الكونغرس والصحافة على مواقف إدارته تـؤكد مدى صعوبة الوضع عندما يتمرد البيت الأبيض على السياسة الإسرائيلية الاستيطانية. فإسرائيل جزء من السياسة الداخلية الاميركية.
لقد تطور حل الدولتين منذ العام 1974 في الساحة الفلسطينية وفي الوسط العالمي وأخيرا في ظل اتفاقات أوسلو عام 1994. مشروع الدولة الفلسطينية عنى قبول الضحية الفلسطينية بحل وسط يسمح بدولة فلسطينية على الاراضي الفلسطينية التي تم احتلالها عام 1967 والتي تتضمن القدس الشرقية. لكن بنفس الوقت لم تعي القوى الفلسطينية كما والعربية المؤمنة بحل الدولتين طبيعة الحركة الصهيونية التي تتعطش للاستيطان ولجلب مزيد من المهاجرين اليهود دون أي اعتبار لسكان البلاد الاصليين. لقد أنتجت الصهيونية في كل عقد وزمن حراك استيطاني أكشر شراسة من ذلك الذي سبقه. هذه هي الورطة التي عاشتها إدارة أوباما مع الاستيطان الإسرائيلي وحكومة نتانياهو. فالاستيطان لا يعرف حدودا لمشروعه، وطالما لا يوجد تحالف قوة في الطرف المقابل العربي والفلسطيني والدولي فإيقاف هذا التطرف لن يكون ممكنا.
ولتنجح الصهيونية فهي مضطرة لقمع الاراء التي تعارضها، وهذا يقع مع أدنى تعبير أميركي رسمي وشعبي، فأسرائيل تحت حكم اليمين فالصهيونية تتصرف بقمعية مع اليهود المخالفين لتصوراتها أكانوا إسرائيليين أم يهودا اميركيين وأوروبيين. وهي تعتبرهم خارج الملة عندما لا يصادقوا على سياساتها. الصهيونية بصيغتها الأكثر تطرفا، وهذا يتضمن حكومة نتانياهو الحالية، تفترض ان أدنى تنازل وقبول بحلول وسط سينهى الصهيونية والدولة اليهودية.
من جهة اخرى هناك صهيونية أخرى تقبل بحل الدولتين، وتعتقد هذه الصهيونية، التي تمثل في هذه المرحلة اراء الأقلية الأقل، بأن بقاء أغلبية يهودية في إسرائيل كما قامت عام 1948 سيتطلب عدم استيعاب العرب الفلسطينيين سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. هذه المجموعة الصهيونية التي تتخوف من دور المتدينين اليهود وصعود اليمين خسرت بصورة واضحة منذ اغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي من قبل متطرف يهودي في العام 1995.
يمثل موقف الإدارة الاميركية وبالتحديد موقف كيري الناقد لإسرائيل احد أهم وأجرأ المواقف الأميركية منذ زمن طويل. وفي المقابل ستكون سياسة ترامب (الرئيس الذي سيتوج بعد أيام) أكثر تعاطفا مع اليمن الإسرائيلي. ترامب سيعين سفيرا اميركيا مؤيدا للاستيطان. بل يمكن تصور سيناريو يقوم من خلاله الرئيس الاميركي الجديد ترامب بالعمل مع نتانياهو لانهاء فكرة حل الدولتين. لكن من جهة أخرى ستكون المسألة الفلسطينية اساسية في الحراك الاميركي الاجتماعي المعارض للرئيس ترامب خاصة في ظل اعادة بناء الحزب الديمقراطي ضمن تصورات أقرب لرؤية ساندرز واليسار.
فرضية استمرار الاحتلال في فلسطين مبنية على إمكانية تحكم ستة ملايين يهودي بستة ملايين فلسطيني. لكن، كما يخبرنا التاريخ، للتحكم ثمن وحدود. فبينما تبقى السيطرة الإسرائيلية الفلسطينيين خلف جدران عازلة، وتحاصر غزة وتعزل القدس وتمارس العنصرية ضد فلسطينيي 1948، فهي لا تعي كم تؤسس لثورات وانتفاضات المستقبل. ثورات الزمن القادم ستفتح آفاقا جديدة في مواجهة الاحتلال والعنصرية، وهذا سينعكس مرة ثانية على التحالفات والمواقف الدولية.