كلما تجولت في ثنايا بعض الكتب والمذكرات والكتابات والأفلام الوثائقية، ومنها بالطبع (مصياف أهل البحرين) للكاتب الملهم حمد النعيمي، واستعدت قراءة لقاءات (حديث الذكريات) الذي ننشره في صحيفة «الوسط» مع الشخصيات البحرينية، كلما أيقنت بأن شعب البحرين (الذي يأكل بعضه بعضًا) ليس هو ذلك الشعب الذي جاءت قصص أجداده وآبائه في تلك الأدبيات وبطون الكتب ومشاهد الأفلام.
ولن يختلف معي اثنان، وهذا ما تيقنت منه، بأن الشعب الذي يدعي الفضيلة والكرامة والتوحيد والسير على نهج الصالحين ونصرة الحق والتغني بقيم العروبة، ليس هو ذلك الشعب الذي يعيش أغلبه من أول نهاره حتى آخر ليله وهو مشغول بمشاريع (البناء والتنمية والتوسع في مجالات الكراهية ونشر الأكاذيب والتحريض والتأليب)، وبالتأكيد، ليس هو شعب البحرين، ولربما رصدت بضع مشاهد هاهنا وسأختمها بمصدر تلك المشاهد لكي نتأمل فيها بحذر:
* المشهد الأول: كنا نفتخر بأن شعب البحرين من السنة والشيعة، حين يضعون يدهم في يد بعض ويصرون على تحقيق إنجاز، وهذا منذ ما قبل اكتشاف النفط، فإنهم ينجحون لأنهم آمنوا بأنهم أسرة وهم أخوة، أما اليوم، فإن بعض الأصوات التي تأكل بعضها بعضًا رغبة في تآكل المجتمع ترفض عبارة من قبيل (إخوان سنة وشيعة)، وتدعي أن الأخوة لا تكون مع الكفار والمشركين (هكذا أحكام ارتجالية لدى بعض جراثيم الطائفية)، ولا يمكن أن يكون العيش مع هؤلاء إلا بالسيف والرمح والرصاص.
* المشهد الثاني: حين يتعرض المجتمع البحريني لهزة كبيرة تهدد ترابه الوطني واستقلاله وعروبته، فإن كل أبنائه يذودون عنه، ومشهد هيئة الاتحاد الوطني الذي لم ولن يتكرر لايزال ماثلًا، غير أن البعض يطوي تلك الصفحة ويدعي أن الخونة، وهي بالمناسبة لا تطلق كما يقولون على فئة معينة، بل الحقيقة أنها تطلق على طائفة كلها حتى وإن برر المهاجمون غير ذلك، ويقول ان الخونة لا يمكن الوثوق بهم، وإنهم يحملون هوىً فارسيًا صفويًا هو الأخطر والأشد على كيان الدولة، وكأن الدولة بلا أجهزة وبلا مسئولين وبلا عقول وبلا أنظمة.
* المشهد الثالث: نعرف جيدًا، أن المنبر الديني، حتى قبل مرحلة التحولات عد الثورة الإيرانية وحرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية والأوضاع المشتعلة في بقاع الأمة العربية… كان ذلك المنبر في حدود ما لم يبتعد (في بعضه وبعض أصواته) أن التشدد والتطرف والتكفير والهجوم ونشر العداوة والكراهية، وطباعة ونشر الكتب التي تمزق الناس، إلا أن أسماء عملاقة على امتداد الوطني العربي من الماضين كالشيخ الطنطاوي والشعراوي وزيني دحلان والرشيد والخوئي والوائلي وغيرهم، كانوا يمتلكون صوتًا رائعًا في صد تلك المدمرات… إلا أن اليوم، تغير الوضع، فالوضع ليس في البحرين فحسب، بل في الخليج العربي، يأكل الناس بعضهم بعضًا ويشتمون بعضهم بعضًا ويتمنون أكثر ما تقوم به الجماعات الإرهابية، أن يشربوا دم بعضهم بعضا، وكذلك اليوم، يصبح الخطاب (اللاديني على المنابر) والمشترى بالمال وبيع الضمائر، هو الذي يعيش لينفث السموم… هذا ما لا يمكن أن يكون ضمن نسيج الشعب البحريني أليس كذلك.
* المشهد الرابع: ينتقل خبر ما… عن مريض أو مصاب أو مسافر أو مهاجر أو عائد أو خبر نجاح أو ترقية أو عزاء أو زواج، فإنك لن تجد صعوبة في فهم المجتمع البحريني الأصيل في صورته المثلى… سنة وشيعة… مسلمون وكفار… مسيح ويهود… أبرار وأشرار، في الغالب تجمعهم تلك الوقائع، لكن اليوم، فإنك إن كنت من هذه الطائفة وزرت هذه الطائفة وصليت معها فقد تحكم بالسجن! وإن حضرت مجالس هذه الطائفة فإنك ستصبح من تجار (المتعة الحرام)، وإن نبست ببنت كلمة فإنك ستصبح من أذيال خونة البلاد والعباد وولاة الأمر.
هل هناك المزيد؟ بالتأكيد، بل أكثر وأكثر مما لا يمكن أن يقال عن ملحمة الشعب البحريني الذي يأكل بعضه بعضًاّ! لكنني وددت أن أشير أيها الأحبة إلى أن المجتمع البحريني لايزال بخير ولا تصدقوا كل ما جاء أعلاه! لا تصدقوا ذلك لأننا نعيشه يوميًا… أين؟ في صفحات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني… تلك الحرب التي تتحول من خبر في صحيفة أو على الإنستغرام أو تويتر بشأن (مواطنة تضع 3 توائم)، إلى حرب طائفية واتهامات وتشهير وتكفير وتأجيج… يختلط فيها الكذاب بالمتلون بالمخادع بالسيئ بالخبيث.
المجتمع البحريني الحقيقي ليس في (شاشات ومحتويات التواصل الاجتماعي)… المجتمع البحريني الحقيقي في مجالس أهل البلد ولقاءات أهل البلد الحقيقية… وكم نتمنى أن تكون هذه المجالس الأصيلة، هي المنفذ لإنهاء كل أزمات البلد… القيادة والشعب (بشخصياته وعلمائه ووجهائه) قادرون على ذلك.