ما سبب تدهور البلد وتراجعه؟ ما سر تخلفه؟ لماذا تغرق البلاد في ركام من الفساد المتتالي؟ هل وضع البلد في التراجع المريع، الذي شهدته وتشهده منذ أربعين سنة، أي منذ ١٩٧٦، يمكن أن يكون مجرد سوء تخطيط أو قصور في الإدارة، أو غياب للصدق والغيرة الوطنية؟ أم أن الأمر يتضمن كل ذلك ولكن أيضاً يتعداه بتلاعب بعض المتنفذين من خلال الفوضى وكسر متعمد للقوانين وتواطؤ مع أطراف عديدة، بعضها يعرف البعض الآخر، وآخرون التقى معهم بجشعهم وتفريطهم بالبلد، فصار كل متآمر لنهب البلد جزءاً منهم أو من منظومتهم، وهم جميعاً يلتقون على غاية واحدة وهي نهب البلد. نعم، من يتعامل مع البلد على أنه مشروع مؤقت ويستبيحه قبل أن يزول، فهو ينهب البلد. من يسخّر نظم البلد وإجراءاته ليثري، فهو ينهب البلد. من يلهث وراء مناصب لن يصل إليها بكفاءته فيرشي ويتآمر، فهو من منصبه ذاك ينهب البلد. إن من يعطل تطبيق القوانين لينقذ هذا المجرم أو ذاك الفاسد، فإنه ينهب البلد، إن من يكون بمواقع المسؤولية وزيراً أو عضواً أو بمنصب ثم يغمض عينيه عن فساد وتلاعب وواسطات وشفاعات مدمرة تزكم أنوف الناس، فهو ينهب البلد. إن من يعين الأقرباء والأصدقاء وربما فئته أو طائفته أو حزبه مفرطاً بمصلحة البلد، فهو ينهب البلد.
على مدى أربعين سنة ماضية ونحن نرى البلد يوماً تلو الآخر يغرق في مستنقعات الفساد المالي والإداري والسياسي، ويتلاعب به المتاجرون بمناقصات وعقود مشاريعها تنفذ بـ١٠٪ المبالغ التي صرفت عليها، ويعبث بالمشاريع الحكومية التي مدتها سنتان لخمس سنوات لتمضي عليها ١٠ سنوات بل ١٥ من دون أن تنتهي، وعند انتهاء بعضها نجدها غير صالحة أو تحتاج إلى صيانة فورية بتكلفة باهظة تعادل قيمتها أو تزيد! بل ويقف بعض أصحاب القرار التنفيذي من الوزراء والقرار التشريعي والرقابي من النواب موقف المتنفذ الذي يحسن قيادة نهب البلد والتآمر عليه، وآخرون منهم (الأغلبية) فموقفهم هو المتفرج العاجز، ويتذمر كما نتذمر. فهؤلاء حقيقتهم أنهم وصلوا أو أسند إليهم المنصب والمسؤولية وهم لا يملكون أي مؤهلات لها. ولذا، فهم يتشبثون بمناصبهم لمعرفتهم أنه لا قيمة لهم ولا وجود من دونها. ولذا، يقبلون بأن يتم استخدامهم وتسخيرهم لمطالب بعض أصحاب النفوذ، وجل همهم، سواء كان وزيراً أو نائباً، إرضاء بعض أصحاب النفوذ ليضمن البقاء في موقعه. ولذا، فأحدهم ليس إلا منفذا مطيعا ولا يصلح أبدا لمسؤوليات تشريعية أو تنفيذية، لأن من يقبل أن يحرك مثل «حطب الدامة» لا يؤمل منه خير، ولذا فهو ينهب البلد، بل وأداة لنهبه.
لو أردنا أن نعمل كشف حساب لكل من كان محلا للمسؤولية، وزيرا أو نائبا، لأدركنا من دون عناء أن معظمهم لم يقدموا شيئا للبلد، لم ينجزوا مشروعا ولم يبنوا صرحا ولا مرفقا ولا بنية تحتية تستحق الإشادة، ولم يوقفوا تدهورا ولم يعالجوا عجزا ولم ينهوا فسادا ولم يمنحوا البلد فرصة التطور الطبيعي، فصار في موقع كشف تسلل بعد أن تفوقت علينا دول الخليج بكل المجالات، ولم يمنح البلد مجالا للأمل سوى إرادة المواطنين في تغيير قدرهم، رغم جهود بعض المتنفذين والوزراء والنواب لتعويدهم على الاتكالية وانتظار العطايا، لأن من ينهب يريد استباحة الدولة ونهبها سلوكا شائعا إفسادا للذمم.
كشف الحساب يقول إن بعض الوزراء والنواب والمتنفذين على مدى أربعين عاما وما زالوا هم من يدمر البلد، وقدرنا أن نعيش حقبتهم لنواجههم نحن المواطنين البسطاء، ولا عزاء للوطنية التي صارت بضاعة للمتاجرة، وبكل أسف.