تصف الأدلة السياحية النادي الليلي “رينا” بأنه من أرقى الأماكن في إسطنبول، ويقع على ضفاف البوسفور بمنطقة أورتاكوي الشهيرة بمقاهيها ومطاعمها الأنيقة، ويتردد عليه الأثرياء والأجانب، وفي ليلة رأس السنة يكون مزدحماً للغاية، بل من الصعب الحصول على طاولة فيه.
في تلك الليلة الليلاء والناس تقضي وقتها بانتظار مشاهدة الألعاب النارية، حيث يتيح موقع النادي المتميز مشهداً جميلاً ومتمكناً لتلك الألوان الباهرة، تسلل قاتل بسلاح أوتوماتيكي وأجهز على شرطي ومدني عند الباب، واتجه إلى الناحية اليسرى من النادي الليلي، حيث تكون عادة أكثر ازدحاماً، وبدأ بإطلاق نار عشوائي لم يتوقف، وبدأ الناس بالجري أو الاختباء تحت الطاولات، كما يروي فرانسوا الأسمر، وهو لبناني أصيب بذراعه فتصنّع الموت، لأن القاتل كان يتجول بين الجثث ليجهز على الجرحى. نتج عن تلك الجريمة مقتل ٣٩ إنساناً من جنسيات مختلفة أغلبهم ليسوا أتراكاً، وغالبيتهم مسلمون.
أطلق القاتل صرخة “الله أكبر”، ثم بدأ بقتل أناس لا يعرفهم ولا يعرفونه، وقيل إنه فعل ذلك بمبررات دينية، كما قيل إن تنظيم الدولة الإسلامية الشهير بـ “داعش” أعلن مسؤوليته عن الجريمة، حيث قام أحد جنود الخلافة، كما يصفه “داعش”، بفعلته تلك انتقاماً ورداً على عمليات عسكرية تركية ضد التنظيم في سورية، لإيصال رسالة سياسية، هكذا يسفكون دماء الأبرياء لإيصال رسائل سياسية!
الحوادث الإجرامية من هذا النوع صارت مكررة في كل مكان تقريباً وفي كل موقع، ويذكرني أحد الأصدقاء بأن آخر 3 عمليات لـ “داعش” تنوعت بين مسجد وكنيسة و”ديسكو”، ويتساءل: أين يذهب الناس؟!
الخطورة هي أن هناك من يرى مشروعية مثل هذه الأعمال، وأنها مبررة أينما وقعت في الزمان والمكان. هل هناك فرق إن حدثت جريمة قتل لأناس أبرياء مسالمين في ملهى أو مطعم أو موقف سيارات، أو محطة حافلات؟ وهل هناك فرق حسب الفاعل وحسب الضحية؟
الواقع المؤسف هو أن العديد ممن يستنكرون هنا يؤيدون هناك، ومن يرفضها هناك يتسامح معها هنا، حسب مواصفات القاتل وحسب مواصفات الضحية. وبعد كل المقدمات الممجوجة، يتحدث الجميع عن إنسانيتنا.
من الواضح أننا نعيش أزمة أخلاقية، لن نشفى منها إلا بعد أن يجهز بعضنا على بعض، ولا حول ولا قوة إلا بالله.