تعرضت كل أديان العالم، من دون استثناء، الى حركة تغير وتبدل فرضتها ظروف الحياة، وتفاوتت نسبة هذا التغير من منطقة الى أخرى ومن شعب الى آخر، كما استغرقت هذه التغيرات فترات طالت أو قصرت، حسب نوع التغير أو التطوير. كما اعتبر البعض ذلك التغير أو التطور، أو جزءاً منه، إصلاحاً في منطقة، ووجده غيرهم خروجاً عن صحيح الدين، ولكن جرى كل ذلك التغير على مدى عقود طويلة، وببطء، وغالباً ما تمثل في تجاهل النص، أو عدم تطبيقه.
وتعتبر التغيرات التي طرأت على التعاليم الكنسية هي الأكثر ملاحظة، إن بسبب دور الكنيسة عالمياً، وما يمثله المسيحيون من ثقل حضاري، أو لما تتمتع به مجتمعاتهم من شفافية وحرية إعلامية، مقارنة بغيرهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بتطور أو تبدل الطقوس أو الممارسات الدينية. فقد عرف العالم مثلا، ومن خلال مختلف وسائل الإعلام، أنه اصبح في ولايات أميركية ودول أوروبية أو غربية، من حق الرجال والنساء، المنتمين الى الجنس نفسه، الزواج كنسيا او مدنيا، مع اعتراف الدولة بكل تبعات ذلك الزواج. ولكننا نجد مقابل ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن عقوبة السارق المتمثلة بقطع اليد قد تم هجرها، بهدوء ومن دون ضجة، من كل الدول الإسلامية تقريبا، بعد ان ثبت عدم عمليتها في العصر الحديث، الذي أصبحت فيه السرقة متعددة ومتنوعة، وقد تكون مبلغا صغيرا جدا من المال، أو شيئاً لا يمكن تقديره بمال، ومع هذا يفترض أن ينال السارق في الحالتين قصاص قطع اليد!
استغرقت عملية الإصلاح في الكنيسة المسيحية، البروتستانتية بالذات، أكثر من 400 عام، مع بدأ الحركة اللوثرية (مارتن لوثر 1483ــ 1546) والكالفنية (جون كالفن 1509 ـــ 1564)، ولم تتوقف حتى اليوم. كما أصبحت الآن الكنيسة الكاثوليكية، التي هي الأكثر تشددا تاريخيا، تفكر وتناقش بجدية قضايا الإصلاح الديني، كالتساهل في قضايا الإجهاض، وترسيم النساء في السلك الكهنوتي، والسماح باستخدام حبوب منع الحمل في تحديد النسل، وغير ذلك من امور كانت تعتبر، على مدى ألفي عام، من المحرمات التي لا يجوز حتى التطرق اليها فما بالك الاعتراف بوجودها.
ويقول صديق ان المسلمين قاموا بعمليات إصلاح دينية كبيرة، كوقف قطع اليد في عام الرمادة، ووقف دفع حصة «المؤلفة قلوبهم» من أموال الغنائم، ووقف العمل بحدود عدة، من دون النص عليها، وأن تطوير الفكر الديني وإصلاح الممارسات عملية مستمرة في كل دين، لكنها أكثر بطئاً لدى المسلمين مقارنة بغيرهم. ويقول ان التغيير عملية ضرورية، لكي نصبح أكثر تسامحاً مع غيرنا، وأكثر تقبلاً للآخر، وخاصة عندما نعلم ما لذلك الآخر من فضل على البشرية جمعاء، طبيا وغذائيا وصناعيا وزراعيا.. إلخ. وان عملية الإصلاح الديني اليوم لن تستغرق، بطبيعة الحال، الوقت الذي استغرقته المسيحية مثلا، والسبب يعود بشكل أساسي الى التطور الطبيعي الذي يفرضه الزمن، ولتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولظهور حركة «داعش» وما ابدته من وحشية قلما رأى العالم لها مثيلا على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.