لا أشاهد التلفزيون مطلقا، وبالتالي لا استطيع الحكم على أداء جعفر محمد، مقدم البرامج في تلفزيون الشاهد، إلا من خلال بعض الكليبات واليوتيوبات التي تردني على وسائل التواصل الاجتماعي.
في كليب انتشر أخيرا تعلق موضوعه بالأمراض التي يشكو منها الشعب الكويتي، قال، وهنا أورد اقواله بتصرف، إن المجتمع الكويتي، حكما وشعبا، كان علمانيا، متسامحا مع كل من لجأ للعيش فيه، حيث كان مسجد الشيعة بجانب مسجد السنة، وليس بعيدين كثيرا عن الكنيسة، أو دار عبادة أو مقبرة يهودية أو مسيحية. ولكن أهل الكويت (!) حولوا ليبرالية الأسرة الحاكمة، وطريقة حكمها العلمانية، إلى شيء آخر، خصوصا بعد إقرار الدستور، حيث اصبحت كل جهة أو طائفة أو قبيلة تطالب بامتيازات خاصة بها، سواء كانت جغرافية أو دينية. وبالتالي رأينا مسجدا لجماعة الشيرازية، وآخر للإخوان وثالثا لجماعة محمد فضل الله ورابعا للسلف وخامسا للأشاعرة وسادسا للحساوية، وسابعا للبحارنة.. وهكذا.
ثم انشئت محكمة شرعية لأتباع الجعفرية، وتحولت الكثير من دور وحلقات تحفيظ القرآن لمراكز تفريخ إرهابية، وزادت التفرقة بين مكونات المجتمع لدرجة اصبحنا نكره، حتى بعد موتنا، أن يدفن بعضنا مع بعض. كما اصبحت لدينا جمعية للإخوان واخرى للسلف وثالثة للشيعة، وتقسمت وتفرقت وتنافرت مناطقنا السكنية، واصبحت لكل قبيلة وطائفة فريج او حي أو منطقة كاملة، وأصبح الجميع ضد الكل.
كل ما ذكره السيد جعفر محمد صحيح وقريب جدا من الواقع، ولكن إلقاء المسؤولية على المواطن وحده، ولومه على ما وصل المجتمع له من فرقة وتنافر أمر غير صحيح! فدور الحكومة هنا أكبر واخطر، ومسؤوليتها واضحة عن الوضع المأساوي الحالي. فهي التي وافقت لوزير محدد، ولمجموعة من وزراء الداخلية تاليا، على منح جنسية الدولة، دفعة واحدة، لعشرات آلاف الغرباء، إن رغبة في تعديل التركيبة السكانية، أو طمعا في كسب أصواتهم الانتخابية، وضمان ولائهم مستقبلا. وعلى الرغم من أن كل ذلك تحقق، ولكن فقط لفترة قصيرة، حيث اختفى التأثير «الإيجابي» لمن تم تجنيسهم بعد وقت قصير، لتظهر مشاكلهم، فمن قام بالتجنيس لم يحسب أي حساب لما سيمثله هؤلاء من خطر على النسيج الاجتماعي «الطري» للمجتمع.
كما أن الحكومة هي التي وافقت على عمليات التنظيف العرقي، أو Ethnic cleansing، إن صح التعبير، وعمليات نقل الاصوات الجماعية، بسكوتها على قيام أتباع كل فئة بـ «تنظيف» منطقتها من غير المنتمين لها. والحكومة هي التي رفضت تدريس الدستور في المدارس، وهي التي رفضت دروس التربية الوطنية والأخلاق، لأن بعض المنتمين للأحزاب الدينية وجدوها مخالفة لمفاهيمهم، الصدئة! والحكومة هي التي فرشت السجاد الأحمر للأحزاب الدينية لكي تعمل تقطيعا في أوصال المجتمع، إيمانا بقاعدة «فرق تسد». وهي التي لا تزال توفر الحصن الآمن للأحزاب الدينية، من كل الأطياف، اعتقادا منها أنهم سيقفون معها متى ما احتاجت لهم، دون التفات لحقيقة أن الشعب المتعلم والمتكاتف والمغرم بوطنه هو الضامن للحكم، وهو السند للنظام، وهو المحب للأسرة، وليس قادة الأحزاب الدينية ولا كبار الطوائف، فمعظمهم غالبا ما تكون ولاءاتهم للغير.