يزمع الكنيست الإسرائيلي تشريع قانون ينص على حظر رفع الأذان عبر مكبرات صوت في مساجد القدس، أكرر: حظر رفع الأذان عبر مكبرات الصوت. وقد لاقى مشروع القانون اعتراضاً ورفضاً داخل فلسطين وخارجها. ولكن المخيف والمزعج في الموضوع أن كل الذين كتبوا منددين بمشروع القانون بقوة ركزوا على كونه يهدف إلى منع المسلمين من «رفع الأذان»، وأن الإجراء هو ضد الإسلام والمسلمين، وضد حرية الاعتقاد، وضد حقوق الإنسان… وهذه أول مرة أعرف فيها أن منع استخدام مكبرات الصوت هو مخالف لحقوق الإنسان والأديان!
إن وصف مشروع القانون بأنه يهدف إلى منع الأذان، وهذا ما لم ينص عليه، تدليس ومتاجرة بالمشاعر الدينية وإثارة للدهماء، وتصرف لا يمكن القبول به أخلاقياً، فمعركتنا مع إسرائيل، إن صح القول، ليست عسكرية، بعد أن وضعنا كل أسلحتنا «الصدئة» على الرف، بل هي في النهاية معركة حضارية، والأخلاق عمود أي حضارة، واستخدام الكذب للنيل من الخصم ستكون له آثار عكسية متى ما ظهرت الحقيقة، وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها «سلاح» التهويل في معاركنا مع الغير. كما أن هذا التصرف في استغلال العصبية الدينية، أو الطائفية، لا يقتصر على فريق واحد، بل يشمل الجميع، و«هيهات منا الذلة»! فما ان تشتعل العصبيات حتى تتوارى العقول عن الأنظار، ويطل الجهل بقرونه، ويخجل المنطق من الظهور.
الغريب أن غلاة المتدينين يؤمنون بمقولة «إن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، فهل مكبرات الصوت بدعة أم سنّة؟ وهل نتفق جميعاً على أن استخدام مكبرات الصوت، خصوصاً في المساجد القريبة بعضها من بعض، كما هي الحال في الأسواق، حيث يرتفع الأذان فيها من أكثر من 50 مكبر صوت في وقت واحد، ضمن منطقة لا تزيد على كيلومتر واحد، أمر مقبول مثلاً؟
نكرر القول إن الإسلام ظهر وعاش وانتشر من دون كل هذه الكليشيهات، والميكروفونات، وبقي الدين على ما هو عليه، فعلامَ هذه الضجة إذاً؟
أما كان الأفضل مثلاً، قيام معارضي مشروع القرار الإسرائيلي بالتركيز على أن القانون يهدف إلى تهويد مدينة القدس، ثم تهويد كل فلسطين تالياً، والتركيز على هذه الجزئية، لكسب التعاطف الدولي بدلاً من اللجوء إلى ادعاءات غير حقيقية سيؤدي اكتشافها إلى الإضرار بالسمعة والحقوق؟
وكرد فعل إيجابي وحضاري على القرار الإسرائيلي، الذي تبين لاحقاً أنه سيطبق فقط على استخدام المكبرات عند أذان صلاة الفجر، قام رعاة كنائس مسيحية في القدس شخصياً، ومدن فلسطينية أخرى، برفع الأذان من خلال مكبرات كنائسهم، أو بالاستعانة بمؤذنين مسلمين، في تحد لمشروع القرار الإسرائيلي. وهذا تصرف إنساني جميل، ولكن المؤلم أن غالبيتنا لا تفهم مثل هذا النوع من التسامح، ولا يمكن حتى تخيل مبادلة المسلمين لهم بالمثل، لو كان الوضع عكس ذلك.
نعود ونقول إن المعركة إنسانية وحضارية، والمصداقية في أي تصرف حضاري مهمة جداً، أفلا تعقلون؟