ساعات قليلة تفصلنا عن صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس الأمة، الذي سوف يعرف بمجلس 2016، وفي سيناريو يتكرر للمرة السابعة منذ عام 2003 حيث لم تكمل المجالس المنتخبة الستة الماضية دورتها الدستورية، وهذا السجل في حد ذاته يعكس ظاهرة “التخبط السياسي” بسبب استمرار السلطة التنفيذية في تحويل الإرادة الشعبية إلى حقل تجارب، دون أن تعطي الأمة وهي “مصدر السلطات” أدنى حقوقها في اختيار النظام الانتخابي.
لا يوجد أي تبرير سياسي للإصرار الحكومي على التحكم في قواعد التشريعات المنظمة للانتخابات، وتعديل طريقة التصويت وفرض الرقابة على المرشحين وإشغالهم عن حملاتهم الانتخابية من خلال الشطب، سوى صنع برلمان صوري من حلفائها وإفراغ المجلس من هيبته وتقليص دوره الأساسي في التشريع والرقابة، ومع ذلك لن تتردد الحكومة في التخلص من نوابها الموالين بعد انتهاء صلاحيتهم وتبديلهم بآخرين تماماً مثلما حصل مع مجلس 2013.
الحكومة لا تفكر وفق أي منظور مستقبلي ولا تبالي بتغيّر الثقافة السياسية للشعب الكويتي ونضجه، لذا تستمر في تكتيكاتها التقليدية وتراهن على الخدمات والمعاملات الشخصية واستغلال حاجات الناس ودعم بعض المرشحين بكل الوسائل لمجرد كسب جولة أخرى لا غير.
السلاح الآخر الذي طالما استخدمته السلطة هو تحريض فئات المجتمع بعضها على بعض مثل تخويف السنة من الشيعة أو العكس أو إفزاع الحضر من البدو، وكان آخر هذه التكتيكات إلصاق مفهوم المعارضة السياسية بأبناء القبائل دون غيرهم واللمز والهمز بأن وراء هذه المعارضة أجندات خاصة ومنها ضرب الاستقرار السياسي في البلد.
لكن اليوم نرى أن لواء المعارضة الشرسة قد حملها جيل من المرشحين الشباب من الحضر وبالتحديد في الدوائر الداخلية كالأولى والثانية والثالثة، ممن أبدعوا بالفعل في تغيير الخطاب السياسي وتميزوا بالجرأة الواضحة والشجاعة ليس فقط في إثارة قضايا الفساد بل كشف رموزه بالاسم، بالإضافة إلى طرح الحلول لمعالجة المشاكل الأزلية في التعليم أو التوظيف أو الإسكان أو الاختلالات الاقتصادية، رغم خبرتهم العملية اليافعة، الأمر الذي يجسّد في معظمهم مشروع “نائب حقيقي” يمثل الأمة.
فراسة هؤلاء المرشحين الشباب الذين فرضوا أنفسهم على الساحة السياسية، لم تقف عند هذا الحد، بل إعلانهم المسبّق عن مواقفهم السياسية التي كان الكثير من المخضرمين السياسيين يتهربون منها أو يغمزون بها من بعيد وباستحياء، يستحق التحية والإشادة، وخاصة ما يتعلق بالقوانين التعيسة التي أقرها المجلس السابق وكذلك الموقف المبكر من رئاسة الحكومة والمجلس القادمين.
هؤلاء الشباب يمثلون النار التي كانت تحت الرماد وهم نتاج سنوات إهمال صوت الأجيال القادمة واللعب بمقدراتها، وحصاد التحذيرات التي كانت تنادي بضرورة الإصلاح منذ زمن بعيد، فها هم اليوم يتصدون لهمومهم وطموحاتهم بأنفسهم، وقد أثبتوا جدارتهم وتحملوا المسؤولية وكشفوا رؤوسهم للعلن، ويبقى أن يبّرهم ويمنحهم الثقة الشعب الكويتي، خصوصاً الشرائح الشبابية، لتمكينهم من حمل الأمانة السياسية، وهنا تكون مصداقية الناس بأنهم فعلاً سئموا فساد المؤسسات القائمة، وأنه حان وقت نفضها بقوة وبإرادة شعبية حتى يعود الأمل إلى قلوب وضمائر الكويتيين!